قمع هوى نفسه، فإن هذه النفس أبعد شئ منزعا، وإنها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى...) (١) أقول: لا يخفى أنه ليس المراد من الوسواس في هذه الجملة من الحديث (ويحفظ قلبه من الوسواس)، خصوص معناه العرفي الذي يطلق على من يكثر الشك منه ويسمى شكاكا، كما أنه ليس المراد منه خصوص الحالة التي تعرض على القلب عند فعل المعاصي والقبائح، بل المراد منه هو معناه الواسع. فكل ما يصرف القلب عن التوجه إلى الحق سبحانه ويصده من ذكره تعالى، فهي وسوسة يلزم كف النفس عنها.
وعلى القارئ العزيز أن يمعن النظر في ما أوردناه من الآيات والروايات على اختلاف معانيها في ذيل هذه الفقرة، حتى يتضح له جهات كثيرة من البحث، ويتهيأ بعون الله لرفع هذا المرض القلبي، الذي أشد من مرض البدن، بما بين في هذه الآيات والروايات من طريق العلاج، كالعوذ بالرب تعالى، والمخالفة للهواجس النفسانية التي هي في الحقيقة من أنواع الوسوسة، وكذا المخالفة مع عدوه المبين الذي بمنزلة أم الوسوسة، وإلقاء واردات الهموم بعزائم الصبر، وكثرة قول لا إله إلا الله، بل والالتفات القلبي إلى هذه الكلمة الشريفة، ولا سيما ذكر تقطع الأوصال في القبر وخروج نبات الماء من المنخر ورجوع جميع الأحباء عنه بعد الدفن، فإنه لو فعل ذلك، يرجى أن يخرج من هذه الرذيلة ويتصف بما يقابلها من السكينة، وهي لا تحصل إلا بالاقبال على حقيقة الذكر، قال الله تعالى: ﴿ألا! بذكر الله تطمئن القلوب﴾ (2) فإن السلوك في طريق دفع الوسوسة وان كان صعبا يحتاج إلى شجاعة تغلب على الهوى ولا يأتي إلا في كره، إلا أن الرحمان تعالى يهدي من جاهد فيه إلى سبله، ويخرج برحمته عباده المجاهدين من ظلمة الوسوسة إلى نور السكينة.