أقول: إن الله تبارك وتعالى جمع في هذا الحديث (المعراج) في موارد عديدة (1) بين الصمت والجوع وجعل لهما آثارا ونتائج مشتركة، ولعل ذلك من أجل أن الأعمال الحسنة والسيئة يدور مدارهما وجودا وعدما: فإذا جاع العبد بطنه وحفظ لسانه يحصل لروحه السكون ويتوجه إلى فطرته وهذا يوجب صدور الحسنات منه، كما أن شبع البطن وكثرة الكلام وعدم حفظ اللسان توجب هيجان الشهوة والغفلة عن الفطرة وكثرة الخطأ وصدور السيئات.
ثم إن في بعض الروايات الماضية في ذيل كلامه عز وجل: (بطونهم خفيفة من أكل الحلال.) (2) دلالة واضحة على بيان معنى الجوع الممدوح، وقد مر في خبر صالح النيلي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (ليس بد لابن آدم من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاما، فيجعل ثلث بطنه للطعام وثلث بطنه للشراب، وثلث بطنه للنفس.) (3) الحديث.
وعلى هذا، ليس المراد من الحث على الجوع، هو الدوام على الجوع، إذ ذلك مضافا إلى إضراره بالبدن، يوجب الشغل عن الله تعالى، فالمطلوب للسالك في طريق العبودية، هو الاعتدال على كل حال، نعم للصوم الواجب والمندوب دخل تام في الوصول إلى مدارج الكمال، ولكن ينبغي حفظ الاعتدال في المندوب منه أيضا.