ثابت الجنان قوي القلب واللسان، مع خذلان البشر له وقلة الأعوان، وهرب من هو معتضد به، وثبوته في ذلك الوقت الهائل والزلزال الذاهل شئ عظيم تعجز عنه الطباع البشرية، وهل هذا إلا تأييد من الله الكريم؟!
وأما استسلامه عليه السلام فأبلغ من استسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليهما السلام، لأن إسماعيل استسلم لوالد يرجو من شفقته السلامة من الذبح، كأن ينظر الله إلى قلب أبيه فيعفيه من ذبح ولده كما جرى، أو يموت أحدهما قبل ذلك إشفاقا من الله تعالى، حيث إنهما والد وولد، وإن كان ذبحا فيكون بغير ألم إكراما من الله تعالى لهما. وإسماعيل استسلم بالوحي من الله، فوجب عليه وعلى علي غير ذلك.
وفي قوله للأعداء (هو في حفظ الله، أو رقيب كنت عليه) إظهار العداوة لهم والقوة عليهم، وتثبيت بمقام النبوة وكسر حرمتهم والرد عليهم في فعالهم.
وقال جدي رحمه الله في نخبه: الشجاع الثابت بين أربعمائة سيف، أراد به عليا عليه السلام. ثم لو كان خائفا لقال: ما أدري أين مشى، واعتذر بأعذار كثيرة.
وإقدامه على المبيت أعظم من المبارزة في الجهاد، وبين الحالين فرق، لأن المحارب يجوز النجاة والعطب لنفسه، فحاله مترددة بين الأمرين.
وحالة مبيته ليست مترددة بين الحالتين، وإنما صبر نفسه للقتل والأسر لكثرة العدو وانهزام النبي (ص) ومكر علي لهذا العدد الكثير، فصار الظن في جواز القتل أقوى.
والدليل عليه أن الله تعالى أوحى إلى جبريل وميكائيل - إلى تمام