الناس وخيارهم، وعليه جبة صوف وعمامة صوف قد أسدلها خلفه، فجعل يتخطى رقاب الناس من قريش، وبني أمية وغيرهم، لا يمنع ولا يحجب هو ومثله من أكابر الناس وخيارهم، وفضلاء العباد، وقريش لا يصلون ولا يدخلون فلما خرج عون بن عبد الله، اتبعه جرير بن الخطفي وهو يقول:
يا أيها الرجل (1) المرخي عمامته * هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه * أني لدى الباب كالمصفود في قرن فاحلل صفادي (2) فقد طال المقام به * وشطت (3) الدار عن أهلي وعن وطني قال: فضمن له عون ابن عبد الأعلى أن يدخله عليه. فلما دخل على عمر قال: يا أمير المؤمنين، هذا جرير بن الخطفي بالباب، يريد الإذن. فقال عمر:
ما كنت أرى أحدا يحجب عني. قال: إنه يريد إذنا خاصا. قال له عمر: أله عن ذكره، ثم حدثه طويلا، ثم قال: يا أمير المؤمنين إن جريرا بالباب: فقال: أله عن ذكره. قال: إذا لا أسلم من لسانه. فقال عمر: أما إذ قد بلغ منك خوف لسانه ما أرى فأذن له. فدخل جرير. فلما كان قيد رمح أو رمحين وعمر منكس رأسه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، ثم قال: إن الخلفاء كانت تتعاهدني فيما مضى بجوائز وصلات، وقد أصبحت إلى ذلك منك محتاجا. ثم أنشأ يقول:
قد طال قولي إذا ما قمت مبتهلا * يا رب أصلح قوام الدين والبشر إنا لنرجو إذ ما الغيث أخلفنا * من الخليفة ما نرجو من المطر أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت * أم قد كفاني ما بلغت من خبر (4) ما زلت بعدك في (5) هم يؤرقني * قد طال في الحي إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادية * ولا يعود (6) لنا باد على حضر كم باليمامة (7) من شعثاء أرملة * ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر