ثم سار إلى مكة، حتى إذا بلغ قفا المشلل أدنف (1)، فدعا الحصين بن نمير. فقال له: يا بن برذعة الحمار، والله ما خلق الله أحدا أبغض إلي منك، ولولا أن أمير المؤمنين أمرني أن أستخلفك ما استخلفتك، أتسمع؟ قال: نعم، قال: لا تكونن إلا على الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف (2)، ولا تمكن قريشا من أذنك. ثم مات مسلم بن عقبة، فدفن بقفا المشلل، وكانت أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة بأستار، فخرجت إليه فنبشته من قبره، ثم أحرقت عليه بالنار، وأخذت أكفانه فشقتها، وعلقتها بالشجرة، فكل من مر عليه يرميه بالحجارة، وسار الحصين حتى جاء مكة، فدعاهم إلى الطاعة، وعبد الله بن الزبير يومئذ بمكة، فلم يجبه، فقاتله، فقتل يومئذ المنذر بن الزبير، ورجلان من إخوته، ومصعب بن عبد الرحمن، والمسور بن مخزمة (3).
حرب ابن الزبير رضي الله عنهما قال: وذكروا أن مسلم بن عقبة لما فرغ من قتال أهل المدينة يوم الحرة، مضى إلى مكة المشرفة، يريد ابن الزبير، حتى إذا كان بقديد، حضرته الوفاة، فدعا الحصين بن نمير. فقال له: إن أمير المؤمنين عصاني فيك، فأبى إلا استخلافك بعدي، فلا ترسلن بينك وبين قريش رسولا تمكنه من أذنيك، إنما هو الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف. وهلك مسلم بن عقبة، فدفن بالثنية.
قال: وسمع بهم عبد الله بن الزبير، فأحكم مراصد مكة، فجعل عليها المقاتلة، وجاءه جند أهل المدينة، وأقبل ابن نمير حتى نزل على مكة، وأرسل خيلا فأخذت أسفلها، ونصب عليها العرادات والمجانيق، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة، في كل يوم يرمونها بها. فقال الناس: انظروه لئلا يصيبه ما أصاب أصحاب الفيل. قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان بمكة معتمرا، قدم من الطائف: لا تظن ذلك، لو كان كافرا بها لعوقب دونها، فأما إذا كان مؤمنا بها فسيبتلى فيها، فكان كما قال، وحاصروهم لعشر ليال بقين من المحرم، سنة أربع وستين، فحاصروهم بقية المحرم، وصفر، وشهري ربيع، يغدون على