أمر الربيع (1) حاجبه، فأذن للناس إذنا عاما، فدخلوا عليه، وأخذ الناس مجالسهم، قال خالد: فأدخلت رأسي من ناحية السماط فأطرق، ثم رفع رأسه ونظر إلي شبه المستنكر، وكنت قد حليت عنده ببلاغة، وفهم وحكمة. فقلت:
أقر الله نعمته عليك يا أمير المؤمنين وكرامته، وسوغك شكره يا أمير المؤمنين ومد لك في المزيد فيها بفضله، ثم وصلها بعد بطول العمر، وتتابع الكرامة الباقية التي لا انقطاع لها، ولا نفاد لشئ منها، حتى يكون آجل ذلك خيرا من عاجله، وآخره أفضل من أوله، وعاقبته خيرا من ابتدائه، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبته تؤول إلى أحمد ودرك الرضا، وأخلص لك ذلك بالتقوى، وكثره لك بالنماء، ولا كدر عليك منك ما صفا، ولا خالط سروره أذى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وسترا، يفزعون إليك في أمورهم ويقصدونك في حوائجهم، وما أجد يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك شيئا، أبلغ في حقك وتوقير مجلسك، إذ من الله علي بمجالستك، والنظر إلى وجهك مني، وما أجد فيما أظهر ذلك إلا في مذاكرتك نعم الله التي أنعم بها عليك، وأحسن فيها إليك، وأنبهك إلى شكرها (2)، ثم إني لا أجد شيئا هو أبلغ في ذلك، ولا أجمع من ذكر حديث لملك خلا من الملوك، كان في سالف الأمم، فإن أذن أمير المؤمنين أكرمه الله حدثته. قال: وكان هشام متكئا، فاستوى جالسا وقال: هات يا بن الأهتم، قال:
قلت: يا أمير المؤمنين، إن ملكا كان فيما خلا من الملوك، مجتمعا له فيها فتاء السن واعتدال الطبائع، وتمام الجمال، وكثرة المال، وتمكين الملك، وكان له ذلك إلى البطر والمرح داعيا، وعلى الغفلة والذهول معينا، فخرج متنزها إلى بعض منازله. فصعد جوسقا (3) له، فأشرف على أرض، قد أخضلها ربيع عامه، كان شبيها بعامك هذا يا أمير المؤمنين، في خصبه وعشبه، وكثرة زهره، وحسن منظره، فنظر فرجع إليه بصره كليلا عن بلوغ أقصى أمواله من الضياع والإبل والخيل والنعم. فقال لنفر من ناديه: لمن هذا؟ قيل له: لك، فأعجبته نفسه،