خطبة موسى بأفريقية قال: وذكروا أن موسى لما قدم أفريقية، ونظر إلى جبالها، وإلى ما حولها، جمع الناس ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما كان قبلي على أفريقية أحد رجلين: مسالم يحب العافية، ويرضى بالدون من العطية، ويكره أن يكلم (1)، ويحب أن يسلم، أو رجل ضعيف العقيدة، قليل المعرفة، راض بالهوينى، وليس أخو الحرب إلا من اكتحل السهر، وأحسن النظر، وخاض الغمر، وسمت به همته، ولم يرض بالدون من المغنم لينجو، ويسلم دون أن يكلم أو يكلم، ويبلغ النفس عذرها في غير خرق يريده، ولا عنف يقاسيه، متوكلا في حزمه، جازما في عزمه، مستزيدا في علمه، مستشيرا لأهل الرأي في إحكام رأيه، متحنكا بتجاربه، ليس بالمتجابن إقحاما، ولا بالمتخاذل إحجاما، إن ظفر لم يزده الظفر إلا حذرا، وإن نكب أظهر جلادة وصبرا، راجيا من الله حسن العاقبة، فذكر بها المؤمنين، ورجاهم إياها لقول الله تعالى: (إن العاقبة للمتقين) [هود: 49] أي الحذرين. وبعد:
فإن كل من كان قبلي كان يعمد إلى العدو الأقصى، ويترك عدوا منه أدنى، ينتهز منه الفرصة، ويدل منه على العورة، ويكون عونا عليه عند النكبة، وأيم الله لا أريم (2) هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جمعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
فتح زعوان (3) قال: وذكروا أنه كان بزعوان (3) قوم من البربر، يقال لهم عبدوه، عليهم عظيم من عظمائهم يقال له: ورقطان، فكانوا يغيرون على سرح المسلمين، ويرصدون غرتهم، والذي بين زعوان (3) وبين القيروان يوم إلى الليل، فوجه إليهم موسى خمس مئة فارس، عليهم رجل من خشين يقال له: عبد الملك فقاتلهم فهزمهم الله، وقتل صاحبهم ورقطان، وفتحها الله على يد موسى، فبلغ سبيهم