لهم: أوصيكم بتقوى الله العظيم، وليجل صغيركم كبيركم، وليرحم كبيركم صغيركم. ثم قال لمسلمة: يا أبا سعيد، إنما ولدي على أحد أمرين: إما عامل بطاعة الله فلن يضيعه الله، وإما عامل بمعصيته فلا أحب أن يعينه بالمال، قوموا عصمكم الله ووفقكم (1). ثم دعا رجاء بن حياة فخلا به. فقال: يا رجاء، إن الموت قد نزل، وأنا أعهد إليك عهدا لا أعهده إلى غيرك، إذا أنا مت فكن ممن يقبرني، فإذا سويت علي اللبن، فارفع لبنة، ثم اكشف عن وجهي وانظر إليه، فإني قبرت ثلاثة رجال بيدي، وكشفت عن وجوههم، فنظرت وجوههم قد اسودت، وعيونهم قد برزت من وجوههم، فاكشف عن وجهي يا رجاء وانظر إليه، فإن رأيت شيئا من هذا، فاستر علي، ولا تعلم به أحدا، وإن رأيت غير ذلك، فأحمد الله عليه. قال رجاء: ففعلت ذلك، فلما سوينا عليه اللبن، رفعت لبنة وكشفت وجهه، فإذا وجهه مثل القمر ليلة البدر، وإذا على صدره صك فيه خط ليس من كتابة الآدميين: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب بالقلم الجليل، من الله العزيز العليم، براءة لعمر بن عبد العزيز من العذاب الأليم (2).
ما علم به موت عمر رحمه الله في الأمصار قال: وذكروا أن رجلا من أهل المدينة قال: وفد قوم من أهل المدينة إلى الشام، فنزلوا برجل في أوائل الشام موسع عليه، تروح عليه إبل كثيرة، وأبقار وأغنام، فنظروا إلى شئ لا يعلمونه، غير ما يعرفون من غضارة العيش، إذ أقبل بعض رعاته فقال: إن السبع عدا اليوم على غنمي، فذهب منها بشاة. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم جعل يأسف أسفا شديدا فقلنا بعضنا لبعض: ما عند هذا خير، يتأسف ويتوجع من شاة أكلها السبع!، فكلمه بعض القوم. قال له: إن الله تعالى قد وسع عليك، فما هذا التوجع والتأسف؟ قال:
إنه ليس مما ترون، ولكن أخشى أن يكون عمر بن عبد العزيز قد توفي الليلة، والله ما تعدى السبع على الشاة إلا لموته، فأثبتوا ذلك اليوم، فإذا عمر قد توفي في ذلك اليوم.