ثم دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي عمياء من الكبر، قد بلغت من السن مئة سنة. فقال لها: يا أماه، ما ترين؟ قد خذلني الناس وخذلني أهل بيتي (1). فقالت: يا بني لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريما، ومت كريما. فخرج وأسند ظهره إلى الكعبة، ومعه نفر يسير فجعل يقاتل بهم أهل الشام، فيهزمهم، وهو يقول: ويل أمه فتحا لو كان له رجال! قال: فجعل الحجاج يناديه: قد كان لك رجال، ولكنك ضيعتهم. قال: فجاءه حجر من حجارة المنجنيق وهو يمشي، فأصاب قفاه، فسقط، فما درى أهل الشام أنه هو حتى سمعوا جارية تبكي وتقول: وا أمير المؤمنين، فاحتزوا رأسه، فجاؤوا به إلى الحجاج، وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية، وعمارة بن عمرو بن حزم (2)، ثم بعث برؤوسهم إلى عبد الملك، وقتل لسبع عشرة ليلة مضين من جمادى الأولى (3)، سنة ثلاث وسبعين (4).
قال أبو معشر: ثم أقام الحجاج بالمدينة عاملا عليها وعلى مكة والطائف ثلاث سنين، يسير بسيرته فيما يقولون، قال: فلما مات بشر بن مروان، وكان على الكوفة والبصرة، كتب إليه عبد الملك: أن سر إلى العراقيين، واحتل لقتلهم، فإنه قد بلغني عنهم ما أكره. واستعمل عبد الملك على المدينة يحيى بن حكيم بن أبي العاص.
ولاية الحجاج على العراقيين قال: وذكروا أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج يأمره بالمسير إلى العراقيين ويحتال لقتلهم، توجه ومعه ألفا رجل من مقاتلة أهل الشام وحماتهم، وأربعة آلاف من أخلاط الناس وتقدم بألفي رجل، وتحرى دخول البصرة يوم الجمعة في حين أوان الصلاة، فلما دنا من البصرة، أمرهم أن يتفرقوا على أبواب المسجد،