قعد طاووس سكت طويلا. ثم قال: ما أول شئ خلق! فقلنا: لا ندري. فقال أول شئ خلق: القلم. ثم قال: أتدرون ما أول شئ كتب؟ قلنا: لا، قال:
فإن أول ما كتب بسم الله الرحمن الرحيم، ثم كتب القدر خيره وشره إلى يوم القيامة. ثم قال: أتعلمون من أبغض الخلق إلى الله؟ قلنا: لا، فقال: إن أبغض الخلق إلى الله تعالى عبد أشركه الله في سلطانه، فعمل فيه بمعاصيه، ثم نهض. قال رجاء: فأظلم علي البيت، فما زلت خائفا عليه حتى توارى، فرأيت سليمان يحك رأسه بيده، حتى خشيت أن تجرح أظفاره لحم رأسه.
ما قال أبو حازم (1) لسليمان قالوا: وإن يحيى بن المغيرة أخبرهم عن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم، قال لما حج سليمان، ودخل المدينة زائرا لقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ابن شهاب الزهري ورجاء بن حياة، فأقام بها ثلاثة أيام، فقال: أما هاهنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقيل له: بلى هاهنا رجل يقال له أبو حازم، فبعث إليه، فجاءه، وهو أقور (2) أعرج، فدخل عليه، فوقف منتظرا للإذن. فلما طال عليه الإذن: وضع عصيته ثم جلس. فلما نظر إليه سليمان: ازدرته عينه. فقال له: يا أبا حازم. ما هذا الجفاء الذي ظهر منك، وأنت توصف برؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع فضل ودين تذكر به؟ فقال أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ فقال سليمان: إنه أتاني وجوه أهل المدينة وعلماؤها وخيارها، وأنت معدود فيهم ولم تأتني. فقال أبو حازم: أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها. قال سليمان: صدق الشيخ، فقال: يا أبا حازم: ما لنا نكره الموت؟ فقال أبو حازم: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. قال سليمان: صدقت يا أبا حازم. فكيف القدوم على الآخرة؟ (3) قال: نعم، أما المحسن (4) فإنه يقدم