رجل منهم صرة، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله، وإن ردها لا جناح عليه فيما فعل، وإن أخذها ابن أبي ذؤيب فأتني برأسه. وإن ردها عليك فبسبيله، لا جناح عليه، وإن يكن ابن سمعان ردها فأتني برأسه، وإن أخذها فهي عافيته.
فنهض بها إلى القوم، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم، وأما أنا فكنت والله محتاجا إليها فأخذتها. ثم رحل أبو جعفر متوجها إلى العراق.
كتاب عبيد الله العمري إلى أبي جعفر قال: وذكروا أن أبا جعفر لما قفل من حجه سنة ثمان وأربعين ومئة (1)، سأل عن عبيد الله بن عمرو بن حفص بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الفقيه المعروف بالعمري. فقيل له: إنه لم يحج العام يا أمير المؤمنين، ولو حج لكان أول داخل عليك، فلا تقبل عليه أحدا يا أمير المؤمنين، ولا يقدح فيه عندك إلا باطلي أو كذاب، فإنه من علمت. فقال أبو جعفر: والله ما تخلف عن الحج في عامه هذا إلا علما منه بأني حاج، فلذلك تخلف، ولا والله ما زاده ذلك عندي إلا شرفا ورفعة، وإني من التوقير له والإجلال بحال لا إخال أحدا من الناس بذلك لشرفه في قريش، وعظيم منزلته من هذا الأمر، والموضع الذي جعله الله فيه، والمكان الذي أنزله به.
فلما قدم أبو جعفر بغداد، ورد عليه كتاب عبيد الله العمري، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله أبي جعفر أمير المؤمنين، من عبيد الله بن عمر. سلام الله عليك، ورحمة الله التي اتسعت فوسعت من شاء. أما بعد: فإني عهدتك، وأمر نفسك لك مهم، وقد أصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، أحمرها وأسودها وأبيضها، وشريفها، ووضيعها، يجلس بين يديك العدو والصديق، والشريف والوضيع، ولكل حصته من العدل، ونصيبه من الحق، فانظر كيف أنت عند الله يا أبا جعفر، وإني أحذرك يوما تفنى فيه الوجوه والقلوب، وتنقطع فيه الحجة،