على الآخرة كالغائب يقدم على أهله من سفر بعيد. وأما قدوم المسئ فكالعبد الآبق (1)، يؤخذ فيشد كتافه، فيؤتى به إلى سيد فظ غليظ، فإن شاء عفا، وإن شاء عذب. فبكى سليمان بكاء شديدا، وبكى من حوله. ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال: اعرض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله. قال سليمان: يا أبا حازم، وأين أصيب تلك المعرفة في كتاب الله، قال عند قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم) [الانفطار: 14]. قال سليمان: يا أبا حازم، فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين، قال سليمان: يا أبا حازم من أعقل الناس؟ قال أبو حازم:
أعقل الناس من تعلم العلم والحكمة وعلمهما الناس. قال سليمان: فمن أحمق الناس؟ فقال: من حط في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: فما سمع الدعاء؟ قال أبو حازم: دعاء المخبتين (2) الخائفين. فقال سليمان: فما أزكى الصدقة عند الله؟ قال: جهد المقل (3). قال: فما تقول فيما ابتلينا به؟ قال: أعفنا عن هذا وعن الكلام فيه أصلحك الله، قال سليمان:
نصيحة تلقيها [إلي]. فقال: ما أقول (4) في سلطان استولى عنوة بلا مشورة من المؤمنين، ولا اجتماع من المسلمين؟ فسفكت فيه الدماء الحرام، وقطعت به الأرحام، وعطلت به الحدود، ونكثت به العهود، وكل ذلك على تنفيذ الطينة (5)، والجمع لمتاع الدنيا المشينة، ثم لم يلبثوا أن ارتحلوا عنها، فيا ليت شعري ما تقولون؟ وماذا يقال لكم؟ فقال بعض جلسائه: بئس ما قلت يا أقور، أمير المؤمنين يستقبل بهذا؟ فقال أبو حازم: اسكت يا كاذب، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون، إن الله قد أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، أي لا ينبذونه وراء ظهورهم. قال سليمان: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ما فسد منا؟ فقال: المأخذ في ذلك قريب يسير يا أمير المؤمنين، فاستوى سليمان جالسا من اتكائه. فقال: كيف ذلك؟ فقال: تأخذ المال من حله، وتضعه في أهله، وتكف الأكف عما نهيت، وتمضيها فيما أمرت به. قال سليمان: ومن