بالرحمة من ذلك اليوم، فلم يبق محب ولا مبغض ولا خارجي ولا حروري (1) إلا أخذ الله له بقلوبهم، وابتهلوا بالدعاء وأخلصوا له بالسؤال بالعفو من الله، ورضي الناس أجمعون فعله، قال خالد: ثم بايع الناس لعمر في المسجد بيعة تامة جامعة طيبة بها النفوس، لا يشوبها غش، ولا يخالطها دنس، قال خالد:
وسمعت رجاء يقول لما تمت البيعة: إني مهما شككت في شئ فإني لم أشك يوم البيعة لعمر بالنجاة، والرحمة لسليمان إن شاء الله، واستفتح عمر ولايته ببيع أموال سليمان، ورباعه (2) وكسوته، وجميع ما كان يملكه، فبلغ ذلك أربعة وعشرين ألف دينار، فجمع ذلك كله، وجعله في بيت المال، ثم دخل على زوجته فاطمة ابنة عبد الملك، قال لها: يا فاطمة، فقالت: لبيك يا أمير المؤمنين، فجعل يبكي، وكان لها محبا، وبها كلفا، ثم استفاق من بكائه، فقال لها:
اختاريني، أو اختاري الثوب الذي عمل لك أبوك، وكان قد عمل لها أبوها عبد الملك ثوبا منسوجا بالذهب، منظوما بالدر والياقوت، أنفق عليه مائة ألف دينار. فقال لها: إن اخترتني فإني آخذ الثوب فأجلعه في بيت المال، وإن اخترت الثوب، فلست لك بصاحب. فقال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين من فراقك، لا حاجة لي بالثوب. فقال عمر: وأنا أفعل بكل خصلة، أجعل الثوب في آخر بيت المال، وأنفق ما دونه، فإن وصلت إليه أنفقته في مصالح المسلمين، وإنما هو من أموال المسلمين أنفقت فيه، وإن بقي الثوب ولم أحتج إليه، فلعل أن يأتي بعدي من يرده إليك. قالت: افعل يا أمير المؤمنين ما بدا لك. ثم دخل عليه ابنه، وعليه قميص تذعذع. فقال له عمر: ارفع قميصك يا بني، فوالله ما كنت قط بأحوج إليه منك اليوم.
ذكر قدوم جرير بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز قال: وذكروا عن عبد الأعلى بن أبي المشاور، أنه أخبرهم قال: قدم جرير شاعر أهل العراق وأهل الحجاز على عمر، أول ما استخلف، فأطال المقام ببابه، لا يصل إليه حتى قدم عليه عون بن عبد الله الهذلي (3)، وكان من عباد