بالخلافة، وذلك لما أيقنوا بهلاك سليمان. فقلت لهم: لا تعجلوا فإن عمر قال لي: أرى سليمان ما أراد إلا القاسم أو سالما، وهذا أفطن مني بهذا الأمر لأنه كان حاضرا، وسليمان يكتب العهد بيده، فضج الناس من ذلك واختلفوا. فقالت فرقة: سمعنا وأطعنا، لمن استخلف علينا، كان من كان. وقالت فرقة: لا، والله لا نقر بهذا، ولا نطيعه ولا يستخلف علينا إلا مرواني، ولا تبقى منا عين تطرف في الدنيا. فقال رجاء لعمر: كيف ترى قولي، والله لئن كان هذا إنه لهو البلاء المبين، وإنها الفتنة قد فتح بابها. فقال عمر: أرجو الله أن يغلقه إن شاء الله.
قال رجاء: فقلت لعمر: ما نحن صانعون إن كان هذا؟ فقال عمر: لا أدري ما أقول في موقفي هذا. قال رجاء: ولم؟ فقال عمر: لأني والله ما وقفت موقفا قط، لا رأي لي فيه ولا بصيرة، إلا موقفي هذا، فإني قد أجدني قد ذهب روعي (1)، وفقدت رأيي، ولا أدري ما أستقبل من أمري، ولا ما أستدير، ولو استطعت الفرار لفررت من موضعي هذا، حيث لا أدرك ولا أرى. قال رجاء:
فلما قاولني بهذا علمت أنه للذي قال من فقده لرأيه وبصيرته. قال رجاء: فقلت له: يا أبا حفص، فأين نحن من المفزع إلى الله، والرغبة في الصلاح علينا وعلى المسلمين، ويعزم لنا على ما فيه الخير والخيرة؟ فقال عمر: بلى والله هذا الملجأ وهذا الحصن الحصين والمعقل الشديد. قال رجاء: فبتنا ليلتنا لا نألوا على أنفسنا في الدعاء، والاستخارة لله، فلما أصبحنا قلت لعمر: ما ترى يا أبا حفص؟ فقال: أرى أن أسمع وأطيع لمن في هذا الكتاب فإن كان أحد الرجلين قدم سمعت له وأطعت، ورددت من أدبر عنه بمن أقبل عليه حتى أموت. قال فبينما هما كذلك إذ أقبل وصيف يسعى إليهما يقول: قد قضى أمير المؤمنين نحبه، فخرجا، فإذا بالعويل والنوح، فرجعا إلى المسجد ترعد فرائصهما، والناس يسلمون على عمر بالخلافة وهو يقول: لست به، حتى دخل المسجد، وقد اجتمع الناس، وهو مستعدون للفتنة والقتال، إن خالف العهد ما يريدون.
فقام رجاء إلى جانب المنبر: فحمد الله، وحض الناس على الطاعة، ولزوم الجماعة، وأعلمهم بما في الفرقة والاختلاف، من ذهاب الدين والدنيا، ثم أخرج العهد، ففضه بمحضر منهم، ثم قرأه عليهم. فإذا فيه (2): بسم الله