أحدهما من العرب (1)، فأتينا بهما عمر، فدخلنا عليه وتركناهما بالباب. فقلنا له:
إنا قد بلغنا عنك، وقد بعثوا معنا رجلين هما بالباب. قال: فتشوهما لا يكون معهما حديد أو شئ، ففعلنا، ثم إننا أدخلناهما عليه. فلما دخلا قالا: السلام عليكم. قال: وعليكم السلام، اجلسا. فلما جلسا قال لهما عمر: ما الذي أخرجكم علينا؟ فقال العربي، وكان أشدهما كلاما، وأتمهما عقلا، أما إنا لم ننكر عليك عدلك ولا سيرتك، ولكن بيننا وبينك أمر، هو الذي يجمع ويفرق بيننا، فإن أعطيتناه فنحن منك وأنت منا، وإن لم تعطنا فلسنا منك ولست منا.
فقال عمر: فما هو؟ فقال: خالفت أهل بيتك، وسميتهم الظلمة، وسميت أعمالهم المظالم، فإن زعمت أنك على الحق وأنهم على الباطل، فالعنهم وتبرأ منهم. فقال عمر: إنكم لم تتركوا الأهل والعشائر وتعرضتم للقتال إلا وأنتم في أنفسكم مصيبون، ولكنكم أخطأتم وضللتم، وتركتم الحق. أخبراني عن الدين، أواحد أو اثنان؟ قالا: لا بل واحد. قال: أفيسعكم في دينكم شئ يعجز عني؟ قالا: لا. قال: فأخبراني عن أبي بكر وعمر ما حالهما عندكم؟
قالا: أفضل الناس أبو بكر وعمر. قال: ألستما تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتدت العرب، فقاتلهم أبو بكر، فقتل الرجال، وسبى النساء والذرية؟ قالا: بلى. قال عمر: فلما توفي أبو بكر وقام عمر، ورد تلك النساء والذراري إلى عشائرهما، فهل تبرأ عمر من أبي بكر، ولعنه بخلافه إياه؟
قالا: لا. قال: فتتولونهما على خلاف سيرتهما. قالا: نعم. قال عمر: فما تقولان في بلال بن مرداس؟ (2) قالا: من خير أسلافنا. قال: أفليس قد علمتم أنه لم يزل كافا عن الدماء والأموال وقد لطخ أصحابه أيديهم فيها، فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى، أو لعنت إحداهما الأخرى؟ قالا: لا. قال:
فتتولونهما على خلاف سيرتهما. قالا: نعم. قال عمر: فأخبراني عن عبد الله بن وهب حين خرج بأصحابه من البصرة يريدون أصحابهم، فمروا بعبد الله بن خباب فقتلوه، وبقروا بطن جاريته، ثم عدوا على قوم من بني قطيفة، فقتلوا