لمن أراده. فسكت سليمان، وظن أن عمر رضي بما قال له، ثم دعا سليمان بصحيفة ثم كتب ويده ترتعش من شدة العلة، لا يعلم أحد بما يخط، فكتب عهد عمر، ثم من بعد عمر ليزيد، ثم ختم عليه بيده، متحاملا لذلك، وعمر لا يشك أن الأمر فيه قد صار لغيره، ثم دعا سليمان برجاء بن حياة، فقال له: خذ هذا الكتاب فإنه عهدي، فاجمع إليه قريشا، وأمراء الأجناد، وأعلمهم أنه عهدي، وأن من كان اسمه في كتابي هذا فهو الخليفة بعدي، فمن نزع عن ذلك وأباه، فالسيف السيف، والقتل القتل، ثم رفع سليمان يديه إلى السماء فقال: اللهم إن ذنوبي قد عظمت وجلت، وهي صغيرة يسيرة في جنب عفوك، فاعف عني يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه المغفرة، اعف عني ما بيني وبينك من الذنوب، واحمل عني ما بيني وبين خلقك، وأرضهم بما شئت، يا أرحم الراحمين. اللهم إن كنت تعلم مني وتطلع من ضميري، أني إنما أردت بعهدي هذا وتوليتي من وليت فيه وجهك ورضاك فاغفر لي وارحمني. ثم تخلخل لسانه، فلم يقو على الكلام من ثقل العلة، ثم سكت وأغمي عليه. قال رجاء: فخرجت وعمر معي. فقلت له: ما أراك إلا صاحب الأمر، فقال عمر: ما أحسب ذلك. فقلت، ومن عسى أن يكون في آل مروان من يريد سليمان توليته غيرك؟ فقال عمر: ما أراه عهد إلا لأحد الرجلين: القاسم أو سالم. قال رجاء:
فقلت له: أسمعت ذلك منه؟ فقال عمر ما سمعته، ولكن دار بيني وبينه كلام آنفا قبل دخلتك، لا أشك أنه أراد أحدهما. قال رجاء: فقلت: والله هذا الاختلاف في أمة محمد، والفتن الظاهرة القاصمة للظهور، المفنية للأنفس. فقال عمر:
ولم ذلك؟ فقال رجاء: لأن قريشا ونحوها لا ترضى بهذا، ولا تصير إليه، ولا آل أمية وعبد شمس حيث كانت من الأرض. فقال عمر: إن الأمر لله من قبل ومن بعد، يؤتي الملك من يشاء، فقال رجاء: فخرجت إلى الناس وأعلمتهم بعهد أمير المؤمنين. فقالوا: سمعا وطاعة (1)، ثم أعلمتهم بابتهاله ورغبته إلى الله، وما قال، فلم يشك الناس أن عمر بن عبد العزيز صاحبهم، فأرادوا أن يسلموا عليه