فلما انتهى إلى عقبة عسفان، نظر سليمان إلى السرادقات، قد ضربت له ما بين أحمر وأخضر وأصفر، وكان يوسف بن عمر قد عمل له باليمن ثلاثة سرادقات، فكانت تضرب له، وكان الذي منها للناس من خز أخضر، والذي يليه من خز أصفر، ثم الذي يكون هو فيه من وشي أحمر، محبر من حبرات (1) اليمن، مزرر بالذهب والفضة، وفي داخله فسطاط، فيه أربعة أفرشة من خز أحمر، مرافقها من وشي أصفر، وضربت حجب نسائه من وراء فسطاطه، وحجر بنيه وكتابه وحشمه قرب ذلك. فلما استوى سليمان في قبة العقبة، ونظر إلى ما نصب له.
قال: يا عمر، كيف ترى هاهنا؟ قال: أرى دنيا عريضة، يأكل بعضها بعضا، أنت المسؤول عنها، والمأخوذ بها (2)، فبينما هما كذلك، إذ طار غراب من سرادق سليمان، في منقاره كسرة، فصاح الغراب. فقال سليمان: ما يقول هذا الغراب يا عمر؟ قال عمر: ما أدري، ولكن إن شئت أخبرتك بعلم. قال سليمان: أخبرني. فقال عمر: هذا غراب طار من سرادقك بكسرة، هو يأكلها، وأنت المأخوذ بها، والمسؤول عنها من أين دخلت، وأين خرجت؟ قال سليمان:
إنك لتجئ بالعجائب يا أبا حفص. فقال عمر: أفلا أخبرك بأعجب من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: أخبرني. قال: من عرف الله تعالى كيف يعصاه، ومن عرف الشيطان كيف يطيعه، ومن أيقن بالموت كيف يهنيه العيش ويسوغ له الطعام، ومن أيقن بالنار كيف يضحك! فقال سليمان: نغصت علينا ما نحن فيه يا أبا حفص، ومن يطيق ما تطيق أنت يا عمر؟ أنت والله الموفق المطيع (3).
ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة قالوا: إن إبراهيم بن مسلم أخبرهم عن رجاء بن حياة، أنه نظر إلى طاووس اليماني يصلي في المسجد الحرام، فانصرف رجاء إلى سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ بمكة قد حج ذلك العام. فقال: إني رأيت طاووس في المسجد، فهل لك أن ترسل إليه؟ قال: فأرسل إليه سليمان. فلما أتاه قال رجاء لسليمان: يا أمير المؤمنين، لا تسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يتكلم. فلما