حاجة؟ فنهضت لوداعه فودعته، ثم قلت: أوقت لظهور الأمر؟ ومتى؟ قال الله المؤقت والمنذر، فخرجت من عنده، فإذا مولى له يتبعني، فأتاني بكسوة من كسوته. وقال لي: يأمرك أبو جعفر أن تصلي في هذه، ثم افترقنا، فوالله ما رأيته إلا وحرسيان قابضان علي يدفعانني إلى بيعتي في جماعة من قومي لنبايعه. فلما نظر إلي أثبتني، وقال للحرسيين: خليا عمن صحت مودته، وتقدمت قبل اليوم حرمته، وأخذت بيعته، فأكبر الناس ذلك من قوله. ثم قال لي: أين كنت أيام أبي العباس أخي؟ فذهبت أعتذر. فقال: أمسك، فإن لكل شئ وقتا لا يعدوه، ولن يفوتك إن شاء الله حظ مودتك، وحق مشايعتك (1)، واختر مني رزقا يسعك، أو خطة ترفعك، أو عملا ينهضك.
فقلت: أنا لوصيتك حافظ. فقال: وأنا لها أحفظ، إني إنما نهيتك أن تخطب الأعمال ولم أنهك عن قبولها إن عرضت عليك. فقلت: الرزق مع قرب أمير المؤمنين أحب إلى. فقال: وذلك أحب إلي لك، وهو أجم لقلبك وأودع لك، وأعفى إن شاء الله، فهل زدت أحدا في عيالك بعد. وقد كان سألني عنهم فعجبت من حفظه. فقلت: زدت الفرس والخادم، فقال: قد ألحقنا عيالك بعيالنا، وخادمك بخادمنا، ولو لم يسعني حملت لك على بيت المال، فهل تحملك مئتا دينار لكل غرة أو نزيدك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن شطرها ليحملني العامين. قال فإنها لك في كل غرة فاقبضها من عاملي في أي بلد أحببت، وإن شئت فقد ضممتك إلى المهدي، فإنه أفرغ لك مني، وأرضاه لك إن شاء الله (2).
حج أبي جعفر ولقائه مالك بن أنس وما قال له ذكروا أن أبا جعفر أمير المؤمنين لما استقامت له الأمور، واستولى على السلطان خرج حاجا إلى مكة، وذلك في سنة ثمان وأربعين ومئة (3). فلما كان