بعض الإفاقة، ولا يقدر على النهوض فأتوا به إلى ابن عم الحجاج، فلما رآه بتلك الحال أيقن أنه لا يقدر على أن يبلغ الحجاج حتى يموت، فأمر به فضربت رقبته، وانطلق برأسه إلى الحجاج، فلما قدم عليه أحدث لله شكرا وحمدا فيما كان من تمام الصنع، وما هيأ له من التأييد والظفر، وأقام كذلك لا يمر عليه يوم إلا وهو يؤتى فيه بأسرى، فلما رأى كثرتهم ازداد حنقا وغيظا لمسارعتهم في اتباع ابن الأشعث، ومخالفتهم عن الحجاج، فيأمر بقتلهم حردا على الخوارج، ورجاء أن يستأصلهم، فلا يخرج عليه خارجي بعدها، فلما رأى كثرة من يؤتى به من الأسرى تحرى، فجعل إذا أتي بأسير يقول له: أمؤمن أنت أم كافر؟ ليعرف بذلك الخوارج من غيرهم، فمن بدأ على نفسه بالكفر والنفاق عفا عنه ومن قال أنا مؤمن ضرب عنقه.
[الحجاج والشعبي] (1) وأسر عامر بن سعيد (2) الشعبي فيمن أسر، وكان مع ابن الأشعث في جميع حروبه، وكان خاص المنزلة منه، ليس لأحد منه مثلها للذي كان عليه من حاله، إلا سعيد بن جبير، وأفلت سعيد بن جبير فلحق بمكة، وأتى الشعبي إلى الحجاج في سورة غضبه (3)، وهو يقتل الأسرى الأول فالأول، إلا من باء على نفسه بالكفر والنفاق، فلما سار عامر بن سعيد الشعبي إلى الدخول عليه لقيه رجل من صحابة الحجاج يقال له يزيد بن أبي مسلم وكان مولاه وحاجبه، فقال:
يا شعبي، لهفي بالعلم الذي بين دفتيك، وليس هذا بيوم شفاعة إذا دخلت على الأمير، فبؤ له بالكفر (4) والنفاق عسى أن تنجو (5)، فلما دخل الشعبي على الحجاج صادفه واضعا رأسه لم يشعر، فلما رفع رأسه رآه قال له: وأنت أيضا يا شعبي فيمن أعان علينا وألب! قال: أصلح الله الأمير إني أمرت بأشياء أقولها لك، أرضيك بها وأسخط الرب، ولست أفعل، ولكني أقول: أصلح الله الأمير