يأذن لك فيه، ويلهمك إلى فعله. فقال له أبو جعفر: إنك أحللت بنفسك وأهلكتها. فقال عبد الله بن مرزوق: اللهم إن كان بيد أبي جعفر ضري فلا تدع من الضر شيئا إلا أنزلته علي، وإن كان بيده منفعتي فاقطع عني كل منفعة منه، أنت يا رب بيدك كل شئ، ومليك كل شئ، فأمر به أبو جعفر فحمل إلى بغداد فسجنه بها. وكان يسجنه بالنهار، ويبعث إليه بالليل يبيت عنده ويسامره، يلبث نهاره أجمع بالسجن، ثم يسامره بالليل ليظهر للناس أنه سجن أول من اعترض عليه، لئلا يجترئ الجاهل فيقول: قد وسع عفو أمير المؤمنين فلانا، أفلا يسعني؟ فكان دأبه هذا معه زمانا طويلا حتى نسي أمره، وانقطع خبره، ثم خلى سبيله، فلحق بمكة، فلم يزل بها حتى مات أبو جعفر، وولي ابنه المهدي، فلما حج المهدي، فعل مثل ذلك، ففعل به عبد الله بن مرزوق مثل ذلك أيضا، فأراد قتله. فقيل له: يا أمير المؤمنين إنه قد فعل هذا بأبيك، فكان من صنيعه أن حمله إلى بغداد، فسجنه بالنهار، وسامره بالليل، وأنت أحق من أخذ بهديه، واحتذى على مثاله، وورث أكروماته، فحمله المهدي معه، فمات ببغداد، رحمه الله (1).
ذكر ما نال مالك بن أنس من جعفر بن سليمان قال: وذكروا أنه هاج بالمدينة هيج في ابتداء أيام أبي جعفر (2)، فبعث إليها أبو جعفر ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس، ليسكن هيجها وفتنها، ويجدد بيعة أهلها فقدمها وهو يتوقد نارا على أهل الخلاف لهم، فأظهر الغلظة والشدة، وسطا (3) بكل من ألحد في سلطانهم، وأشار إلى المنازعة لهم، وأخذ الناس بالبيعة، وكان مالك بن أنس رحمه الله لم يزل صغيرا وكبيرا محسدا، وكذلك كل من عظمت نعمة الله عليه في علمه أو عمله، أو فهمه أو ورعه، فكيف بمن