الأمر الذي عزمت عليه، فكف عن ذلك. فسار إلى مكة حاجا وللموسم. وخرج أبو مسلم، فكان إذا كتب إلى أبي جعفر يبدأ بنفسه، ثم يكتب إليه: لا يهولنك ما في صدر الكتاب، فإني لك بحيث تحب، ولكني أحب أن يعلم أهل خراسان أن لي منزلة عند أمير المؤمنين.
كتاب أبي مسلم إلى أبي جعفر وقد هم أن يخلع ويخالف قال: وذكروا أن أبا مسلم لما رجع من عند أبي العباس، وقد قيل له بالعراق إن القوم أرادوك، لولا توقعوا ممن معك من أهل خراسان، فلما كان في بعض الطريق كتب إلى أبي جعفر: أما بعد، فإني كنت اتخذت أخاك (1) إماما ودليلا على ما افترض الله على خلقه، وكان في محله من العلم، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله بحيث كان، فقمعني بالفتنة، واستجهلني بالقرآن، فحرفه عن مواضعه، طمعا في قليل قد نعاه (2) الله إلى خلقه، فمثل لي الضلالة في صورة الهدى، فكان كالذي دلي بغرور، حتى وترت (3) أهل الدين والدنيا في دينهم، واستحللت بما كان من ذلك من الله النقمة، وركبت المعصية في طاعتكم، وتوطئة سلطانكم، حتى عرفكم من كان يجهلكم، وأوطأت غيركم العشواء (4) بالظلم والعدوان، حتى بلغت في مشيئة الله ما أحب. ثم إن الله بمنه وكرمه أتاح لي الحسنة، وتداركني بالرحمة، واستنقذني بالتوبة، فإن يغفر فقديما عرف بذلك، وإن يعاقب فيما قدمت يداي، وما الله بظلام للعبيد (5).
فكتب إليه أبو جعفر: يا عم (6)، أروم ما رمت، وأزول حيث زلت، ليس لي دونك مرمى، ولا عنك مقصر، الرأي ما رأيت، إن كنت أنكرت من سيرته شيئا، فأنت الموفق للصواب، والعالم بالرشاد، أنا من لا يعرف غير يدك، ولم يتقلب إلا في فضلك، فأنا غير كافر بنعمتك، ولا منكر لإحسانك لا تحمل علي إصر