الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الشيري - ج ٢ - الصفحة ١٧١
إلى أبي العباس، كتب إلى أبي مسلم يستغيثه، ويذكر عظيم يده عنده، ويسأله القدوم عليه لأمر السفاح، فقدم أبو مسلم، فأقام عنده أياما، ثم خرج إلى السفاح ومعه أجناده وقواده، فلقي السفاح على الفرات فهزمه (1)، واستباح عسكره، وأخذ أسيرا (2)، فقدم به على أبي العباس. فلما قدم إليه، وأدخل عليه قال: يا عمي أحسنا وواسينا فحسدت وبغيت، وقد رأيت تعطفا عليك، وصلة لرحمك، أن أحبسك حبسا رفيقا، حتى تؤدب نفسك، ويبدو ندمك ثم أمر فبنى له بيت. جعل أساسه قطع الملح، فحبسه فيه. فلما كان بعد أيام أرسل الماء حول البيت، فذاب الملح، وسقط البيت عليه، فمات فيه (3)، ورد أبا مسلم إلى عمله بخراسان، فأقام فيها بقية عامه، ثم أخرج أبو العباس أبا جعفر واليا على الموسم، وخرج أبو مسلم أيضا حاجا من خراسان.
اختلاف أبي مسلم على أبي العباس قال: وذكروا أن أبا العباس وجه أبا جعفر في ثلاثين رجلا إلى أبي مسلم، وكان فيهم الحجاج بن أرطأة الفقيه، والحسن بن الفضل الهاشمي (4)، وعبد الله بن الحسين (5)، فلما توجه أبو جعفر إلى أبي مسلم بخراسان، وقدم عليه، استخف به بعض الاستخفاف، ولم يزد الاجلال له، وجعل يعظم في كلامه وفعله الخليفة، ولم يزل أبو مسلم يتخوف أن يصنع به مثل ما صنع بأبي سلمة الخلال، وكان لا يظهر ذلك لأحد. فلما قدم أبو جعفر عليه، ومعه الثلاثون رجلا، وفيهم عبد الله (6) بن الحسين، قام إليه سليمان بن كثير، فقال: يا هذا إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعوا إلى ما تريدون. فظن أنه

(١) في مروج الذهب: ببلاد نصيبين في الموضع المعروف بدير الأعور.
(٢) في مروج الذهب: انسحب عبد الله بن علي في نفر من خواصه إلى البصرة وعليها أخوه سليمان بن علي عم المنصور. وفي الأخبار الطوال: عفا عنه أبو مسلم ولم يؤاخذه بما كان منه.
وقد بقي عبد الله عند سليمان بن علي مدة ثم أتي به إلى المنصور فحبسه عنده إلى سنة 147 (كما في الطبري وابن الأثير) وقيل إلى سنة 149 كما في مروج الذهب حيث قتله.
(3) في مروج الذهب 3 / 373 خنقه حتى مات ثم مده على الفراش. ثم أمر بالبيت فهدم عليهما (مع جارية خنقها معه).
(4) في الطبري 7 / 450 إسحاق بن الفضل الهاشمي.
(5) في الطبري: عبيد الله بن الحسين الأعرج، في ابن الأثير: عبيد الله بن الحسن الأعرج.
(6) أنظر الحاشية السابقة.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست