وأطال السجود حتى خفي صوت الصبي، ثم رفع رأسه فصاح بي، فدخلت وأخذت الصبي، وإنه لما به روح.
فتح قلعة أرساف قال: ثم إن صاحب قلعة أرساف، أغار على بعض سواحل أفريقية، فنال منهم، وبلغ موسى خبره، فخرج إليه بنفسه فلم يدركه، فاشتد ذلك على موسى. قال: قتلني الله إن لم أقتله وأنا مقيم هنا. قال: فأقام موسى ما أقام، ثم إنه دعا رجلا من أصحابه، فقال له: إني موجهك في أمر وليس عليك فيه بأس ولك عندي فيه حسن الثواب، خذ هذين الأذنين فسر فيهما بمن معك، حتى تأتي موضع كذا وكذا، في مكان كذا، فإنك تجد كنيسة، وتجد الروم قد جعلوها لعيدهم، فإذا كان الليل فادن من ساحلها، ودع إحدى هذين الأذنين (1) بما فيها ثم انصرف إلي بالأذن الأخرى، وبعث معه موسى قبة من الخز والوشي، ومن طرائف أرض العرب شيئا مليحا، وكتب كتابا بالرومية جوابا لكتاب، كأنه كان كتب به إلى موسى يسأله الأمان، على أن يدله على عورة الروم، وكتاب فيه أمان من موسى مطبوع، فسار حتى انتهى إلى الموضع الذي وصف له موسى، فترك الأذن بما فيها، وانصرف راجعا في الأذن الأخرى حتى قدم على موسى، وأن الروم لما عثروا على أذن موسى استنكروها، فارتفع أمرها إلى بطريق تلك الناحية، فأخذ ما فيها. فلما رأى ما فيها من الكتب والهدية هاب ذلك، فبعث بها كما هي إلى الملك الأعظم. فلما أفضت إليه، وقرأ الكتب تحقق ذلك عنده، فبعث إلى أرساف رجلا وملكه عليها، وأمر أن يضرب عنق صاحبها الذي أغار على سواحل أفريقية، ففعل، فقتله الله بحيلة موسى.