لملك قد قهرهم بجبروته، وأذلهم بسلطانه والخلق داخرون (2) له، يرجون رحمته ويخافون عذابه وعقابه. وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها، أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإني أعوذ بالله أن تنزل كتابي سوء المنزل، فإني إنما كتبت به نصيحة، والسلام.
فأجابه أبو جعفر المنصور من عبد الله بن محمد أمير المؤمنين، إلى عبيد الله بن عمر بن حفص:
سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إلي تذكر أنك عهدتني وأمر نفسي لي مهم، فأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة بأسرها، وكتبت تذكر أنه بلغك أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها، أن يكون إخوان العلانية، أعداء السريرة، ولست إن شاء الله من أولئك، وليس هذا زمان ذلك، إنما ذلك زمان تظهر فيه الرغبة، والرغبة تكون رغبة بعض الناس إلى بعض، صلاح دنياهم أحب إليهم من صلاح دينهم، وكتبت تحذرني ما حذرت به الأمم من قبلي، وقدما كان يقال: اختلاف الليل والنهار يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار. وكتبت تتعوذ بالله أن ننزل كتابك سوء المنزل، وأنك إنما كتبت به نصيحة فصدقت وبررت، فلا تدع الكتب إلي. فإنه لا غنى بي عن ذلك، والسلام.
اجتماع أبي جعفر مع عبد الله بن مرزوق قال: وذكروا أن أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين لما حج ودخل في الطواف بالبيت الحرام، أمر الناس فنحوا عن البيت، ثم طاف أسبوعه، فوثب إليه عبد الله بن مرزوق، وقال: من جرأك على هذا؟ فليبه بردائه وهزه. ثم قال له: من جعلك أحق بهذا البيت من الناس، تحول بينه وبينهم، وتنحيهم عنه؟
فنظر أبو جعفر في وجهه، فعرفه، فقال: عبد الله بن مرزوق؟ قال: نعم. فقال:
من جرأك على هذا؟ ومن أقدمك عليه؟ فقال عبد الله بن مرزوق: وما تصنع بي؟
بيدك ضر أو نفع؟ والله ما أخاف ضرك، ولا أرجو نفعك حتى يكون الله عز وجل