الرحمن الرحيم هذا ما عهد به عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين عهد أنه يشهد لله بالربوبية والوحدانية، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه إلى محسني عباده بشيرا، وإلى مذنبيهم نذيرا، وأن الجنة حق، وأن النار حق مخلوقتان، خلق الجنة رحمة (1) لمن أطاعه، والنار عذابا لمن عصاه (2)، وأوجب العفو لمن عفا عنه، وأن إبليس في النار، وأن سليمان مقر على نفسه بما يعلم الله من ذنوبه [وبما تعلمه نفسه من معصية ربه]، موجب على نفسه استحقاق ما خلق من النقمة راج لما وعد من الرحمة [ووعد من العفو] والمغفرة، وأن المقادير كلها خيرها وشرها من الله (3)، وأنه هو الهادي وهو الفاتن، لم يستطع أحد لمن خلق الله لرحمته غواية، ولا لمن خلق لعذابه هداية، وأن الفتنة في القبور بالسؤال عن دينه ونبيه الذي أرسل إلى أمته حق يقين، لا منجي لمن خرج من الدنيا إلى الآخر من هذه المسألة [إلا لمن استثناه عز وجل في علمه]. وسليمان يسأل الله بواسع فضله وعظيم منه، الثبات على الحق عند تلك المسألة، والنجاة من أهوال تلك الفتنة، وأن الميزان حق يقين، يضع الموازين القسط ليوم القيامة، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه [يومئذ] فأولئك هم الخاسرون، وأن حوض محمد صلى الله عليه وسلم يوم الحشر والموقف حق، عدد آنيته كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ أبدا. وسليمان يسأل الله برحمته أن لا يرده عنه عطشان وأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة، بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، والله يعلم بعدهما حيث الخير، وفيمن الخير من هذه الأمة، وأن هذه الشهادة المذكورة في عهده هذا، يعلمها [الله] من سره وإعلانه، وعقد ضميره، وأن بها عبد ربه قي سالف أيامه، وماضي عمره، وعليها أتاه يقين ربه، وتوفاه أجله، وعليها يبعث بعد الموت إن شاء الله، وأن سليمان كانت له بين هذه الشهادة بلايا وسيئات، لم يكن له عنها محيص (4)، ولا دونها مقصر بالقدر السابق والعلم النافذ في محكم الوحي، فإن يعف ويصفح، فذلك ما عرف منه قديما، ونسب إليه حديثا، وتلك
(١٣٠)