الأمر بعث إلى أشراف الأجناد (1)، فقدموا عليه وقدم خالد فيمن قدم، فلم يأذن لواحد منهم، وكان مشتغلا بلهوه ولعبه، ومرض خالد، فاستؤذن له في الانصراف فأذن له، فانصرف إلى دمشق، فأقام بها شهرا. ثم كتب إليه الوليد:
إن أمير المؤمنين قد علم الخمسين ألف ألف التي تعلم (2)، فأقدم بها على أمير المؤمنين مع رسوله، فقد أمره أن لا يعجلك عن جهازك، فبعث خالد إلى عدة من ثقاته، فيهم عمارة بن أبي كلثوم، فأقرأهم كتاب الوليد وقال: أشيروا علي برأيكم. فقالوا: إن الوليد ليس بمأمون، فالرأي أن تدخل مدينة دمشق، فتأخذ بيوت الأموال، وتدعو إلى من أحببت، والناس قومك، ولم يختلف منا عليك اثنان. فقال لهم: وماذا؟ قالوا: تأخذ بيوت الأموال، وتجمع إليك قومك حتى تتوثق لنفسك. قال: وماذا؟ قالوا: نتوارى. فقال: أما قولكم أن أدعو إلي من أحببت، فإني أكره أن تكون الفرقة على يدي، وأما قولكم أن آخذ بيوت الأموال حتى أتوثق لنفسي، فأنتم لا تأمنونني عليها ولا ذنب لي، فكيف لي ترجون وفاء بما يعطيني. وقد فعلت ما فعلت، وأما قولكم في التواري، فوالله ما قنعت رأسي خوفا من أحد قط، فالآن وقد بلغت من السن ما بلغت؟، ولكني أمضي، وأستعين بالله تعالى.
قتل خالد بن عبد الله القسري قال: وذكروا أن خالد بن عبد الله القسري، شخص إلى الوليد بن يزيد حتى قدم على معسكره، فلم يدع به الوليد ولم يكلمه، وهو يختلف إليه غدوة وعشية، حتى قدم برأس يحيى بن زيد بن علي بن الحسين من خراسان، فجمع الناس الإذن، فحضر الأشراف، وجلس الوليد، وجاء خالد إلى الحاجب فقال:
إن حالي كما ترى، لا أقدر على المشي، وإنما أحمل في الكرسي. قال الحاجب: ما يدخل أحد على أمير المؤمنين على هذه الحال، ثم أذن له فحمله على كرسيه، ثم دخل على الوليد وهو جالس في سريره، والمائدة موضوعة.