وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59] وهم أهل العلم. قال ابن المبارك: فما رأيت عالما ولا قارئا للقرآن، ولا سابقا للخيرات، ولا حافظا للمحرمات، بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين، ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة.
ذكر الحائك المتطفل قال: وذكروا أن الرشيد (1) لما انصرف من الحجار وصار بالرقة (2) قال لوزيره عمرو بن مسعدة: ما زلت تكلمني وتستلطفني في الرخجي (3) حتى وليته الأهواز، فقعد في سرة الدنيا يأكلها خضما (4) وقضما، ولم يوجه إلي درهما، فاخرج إليه من ساعتك هذه، حتى تحل ساحته، ثم لا تدع له حرمة إلا انتهكتها، ولا أكرومة إلا أهنتها. ثم لا تسمع له حجة يرفعها، ولا تقبل منه كلمة ينهيها، إن اعتذر فلا تقبل له عذرا، وإن قال فلا تقبل له قولا، فشر قائل، وأكذب متظلم، فقلت في نفسي: أبعد الوزارة أصير مستحثا على عامل خراج؟
ولكن لم أجد بدا من طاعة أمير المؤمنين، إذ كانت ولايته بسببي. فقلت: أخرج يا أمير المؤمنين؟ قال: فاحلف أنك لا تلبث في بغداد إلا يوما، فحلفت له، ثم انحدرت إلى بغداد، ثم خرجت، فلما صرت بين دير هرقل وبين دير العاقول (5)، إذا رجل (6) يصيح: يا ملاح، يا ملاح، رجل منقطع. فقلت للملاح: قرب إلى