الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الشيري - ج ٢ - الصفحة ٢١٢
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59] وهم أهل العلم. قال ابن المبارك: فما رأيت عالما ولا قارئا للقرآن، ولا سابقا للخيرات، ولا حافظا للمحرمات، بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين، ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة.
ذكر الحائك المتطفل قال: وذكروا أن الرشيد (1) لما انصرف من الحجار وصار بالرقة (2) قال لوزيره عمرو بن مسعدة: ما زلت تكلمني وتستلطفني في الرخجي (3) حتى وليته الأهواز، فقعد في سرة الدنيا يأكلها خضما (4) وقضما، ولم يوجه إلي درهما، فاخرج إليه من ساعتك هذه، حتى تحل ساحته، ثم لا تدع له حرمة إلا انتهكتها، ولا أكرومة إلا أهنتها. ثم لا تسمع له حجة يرفعها، ولا تقبل منه كلمة ينهيها، إن اعتذر فلا تقبل له عذرا، وإن قال فلا تقبل له قولا، فشر قائل، وأكذب متظلم، فقلت في نفسي: أبعد الوزارة أصير مستحثا على عامل خراج؟
ولكن لم أجد بدا من طاعة أمير المؤمنين، إذ كانت ولايته بسببي. فقلت: أخرج يا أمير المؤمنين؟ قال: فاحلف أنك لا تلبث في بغداد إلا يوما، فحلفت له، ثم انحدرت إلى بغداد، ثم خرجت، فلما صرت بين دير هرقل وبين دير العاقول (5)، إذا رجل (6) يصيح: يا ملاح، يا ملاح، رجل منقطع. فقلت للملاح: قرب إلى

(1) الخبر في العقد الفريد 4 / 175 وصبح الأعشى 1 / 142 بين المعتصم وعمرو بن مسعدة. وهو خطأ. لأن عمرو بن مسعدة مات سنة 217 والمأمون حي، وتولى المعتصم الخلافة سنة 218 ه‍.
(2) الرقة: بلد على الفرات.
(3) هو عمر بن الفرج الرخجي من أعيان الكتاب، والرخجي نسبة إلى الرخج كورة ومدينة من نواحي كابل. وبقي الرخجي إلى أيام المتوكل حيث سخط عليه (أنظر مروج الذهب 4 / 117 ومعجم البلدان " رخج ").
(4) الخضم: الأكل مع ملء الفم وأكل الرطب. والقضم: أكل اليابس. يريد أنه يأكل خيرات الأهواز جميعها.
(5) دير هرقل: دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم. ودير العاقول: بين مدائن كسرى والنعمانية، وبينه وبين بغداد 15 فرسخا (معجم البلدان).
(6) في صبح الأعشى: شاب على الشط يقول:
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست