يتشاغلون بها. قال: فأمر عبد الملك برأس عمرو أن يطرح إليهم من أعلى القصر، فطرح إليهم، وطرحت الدنانير، ونثرت الدراهم، ثم هتف عليهم الهاتف ينادي: إن أمير المؤمنين قد قتل صاحبكم، بما كان من القضاء السابق، والأمر النافذ، ولكم على أمير المؤمنين عهد الله وميثاقه، أن يحمل راجلكم، ويكسو عاريكم، ويغني فقيركم، ويبلغكم إلى أكمل ما يكون من العطاء والرزق، ويبلغكم إلى المئتين في الديوان، فاعترضوا على ديوانكم، واقبلوا أمره، واسكنوا إلى عهده، يسلم لكم دينكم ودنياكم. قال: فصاحوا نعم نعم نعم، سمعا وطاعة لأمير المؤمنين.
قال: فلما تمت البيعة لعبد الملك بن مروان بالشام، أراد أن يخرج إلى مصعب، فجعل يستفز أهل الشام، فيبطئون عليه. فقال له الحجاج بن يوسف، وكان يومئذ في حرس أبان بن مروان: يا أمير المؤمنين، سلطني عليهم، فأعطاه ذلك فقال له عبد الملك: اذهب قد سلطتك عليهم. قال: فكان لا يمر على بيت رجل من أهل الشام تخلف إلا أحرق عليه بيته، فلما رأى ذلك أهل الشام خرجوا، قال: فأصابهم من ذلك غلاء في الأسعار، وشدة من الحال، وصعوبة من الزمان، قال: وكانوا يصنعون لعبد الملك بن مروان الأرز. فسار بأهل الشام إلى العراق ومعه الحجاج بن يوسف.
مسير عبد الملك إلى العراق قال: وذكروا أن عبد الملك لما سار بأهل الشام ومعه الحجاج بن يوسف إلى العراق: خرج مصعب بن الزبير بأهل البصرة والكوفة، فالتقيا بين الشام والعراق، وكان عبد الملك ومصعب قبل ذلك متصافيين، وصديقين متحابين، لا يعلم بين اثنين من الناس ما بينهما من الإخاء والصداقة، فبعث إليه عبد الملك أن ادن مني أكلمك. قال: فدنا كل واحد من صاحبه، وتنحى الناس عنهما، فسلم عبد الملك عليه، وقال له: يا مصعب، قد علمت ما أجرى الله بيني وبينك منذ ثلاثين سنة، وما اعتقدته من إخائي وصحبتي، والله أنا خير لك من عبد الله، وأنفع منه لدينك ودنياك، فثق بذلك مني، وانصرف إلى وجوه هؤلاء القوم، وخذ لي بيعة هذين المصرين، والأمر أمرك، لا تعصى ولا تخالف، وإن شئت اتخذتك صاحبا لا تخفى، ووزيرا لا تعصى. فقال له مصعب: أما ما ذكرت في