ذكر استخلاف هارون الرشيد قال: وذكروا أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين ومائة توفي المهدي، وذلك أنه خرج يوما إلى بعض المنازل (1)، ومعه أهله وبعض بنيه (2)، وكان قد ذكر أن يستخلف ابنه عبد الله بعده، ثم غفل عن ذلك وتركه، فحمل عبد الله الحرص والطيش إلى أن دس على أبيه بعض الجواري المتمكنات منه بسمه (3)، وبذل لها على ذلك الأموال، ومناها أماني الغرور. فلما سمته، ووصل إليه السم، عرف المهدي أنه قد قتل، فدعا كاتبه فقال له: عجل واكتب عهد هارون الرشيد، وخذ بيعة الجند، وأمراء الأجناد، واكتب بذلك إلى ولاة الأمصار، وكان الرشيد أصغر بينه، وكان ابن أمة، لا يطمع في خلافة، ولا يظن بها، فأدخله على نفسه وهو يجود بها، والرشيد لا يعلم أنه مستخلف. فقال له المهدي: أي بني، والله ما أردت استخلافك، ولا هممت به لحداثة سنك، وقد كان قال لي جدك أبو جعفر، وأنت يومئذ قد ترعرعت في أول رؤية رآك: إن ابني هذا الأعين (4) سيلي هذا الأمر، ويسير فيه سيرة صالحة، فقلت: يا أبت، أتظن ذلك؟ قال: ما هو بالظن، ولكنه اليقين، ويكون ملكا بضعا وعشرين سنة، وتقتله الحمى الربع (5)، فاندفع الرشيد باكيا فقال له: ما يبكيك يا فتى؟ قال: يا أبت، إنك والله نعيت لي نفسي، وعرفتني متى أموت، ومم أموت؟ قال: هو ذاك، فشمر، واجتهد
(٢٠٥)