من ثقتي بك، ومودتي وإخائي، فذلك كما ذكرته ولكنه بعد قتلك عمرو بن سعيد لا يطمأن إليك، وهو أقرب رحما مني إليك، وأولى بما عندك، فقتلته غدرا، ووالله لو قتلته في ضرب ومحاربة لمسك عاره، ولما سلمت من إثمه.
وأما ما ذكرت من أنك خير لي من أخي، فدع عنك أبا بكر، وإياك وإياه، لا تتعرض له واتركه ما تركك، واربح عاجل عافيته وارج الله في السلامة من عاقبته فقال له عبد الملك: لا تخوفني به، فوالله إني لأعلم منه مثل ما تعلم، إن فيه لثلاث خصال لا يسود بها أبدا: عجب قد ملأه، واستغناء برأيه، وبخل التزمه، فلا يسود بها أبدا.
قتل مصعب بن الزبير قال: وذكروا أن عبد الملك لما أيس من مصعب، كتب إلى أناس من رؤساء أهل العراق يدعوهم إلى نفسه، ويجعل لهم أموالا عامة، وشروطا وعهودا، ومواثيق وعقودا، وكتب إلى إبراهيم بن الأشتر يجعل له وحده مثل جميع ما جعل لأصحابه، على أن يخلعوا عبد الله بن الزبير إذا التقوا. فقال إبراهيم بن الأشتر لمصعب: إن عبد الملك قد كتب إلي هذا الكتاب (1)، وكتب لأصحابي كلهم فلان وفلان بذلك، فادع بهم في هذه الساعة، فاضرب أعناقهم واضرب عنقي معهم. فقال مصعب ما كنت لأفعل ذلك حتى يستبين لي ذلك من أمرهم.
قال إبراهيم: فأخرى، قال: وما هي؟ قال: أحبسهم في السجن حتى يتبين ذلك، فأبى، فقال له إبراهيم بن الأشتر: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، ولا تراني والله بعد في مجلسك هذا أبدا. وقد كان قال له قبل ذلك: دعني أدعو أهل الكوفة بدعوة لا يخلعونها أبدا، وهي ما شرطه الله. فقال له مصعب: لا والله لا أفعل، لا أكون قتلتهم بالأمس، وأستنصر بهم اليوم (2)، قال: فما هو إلا أن التقوا فحولوا رؤوسهم ومالوا إلى عبد الملك بن مروان. قال: فبقي مصعب في شرذمة (3) قليلة. قال: فجاءه عبيد الله [بن زياد] بن ظبيان، فقال: أين الناس أيها