يكن القتل بأسا، فقد قتلني أبو لؤلؤة، قالوا: فإن يكن ذلك فجزاك الله عنا خيرا. فقال:
لا أراكم تغبطونني بها، فوالذي نفس عمر بيده ما أدري علام أهجم (1)، ولوددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي، فيكون خيرها بشرها، ويسلم لي ما كان قبلها من الخير. ودخل علي بن أبي طالب فقال: يا علي، أعن ملأ منكم ورضى كان هذا؟ فقال علي: ما كان عن ملأ منا ولا رضي، ولوددنا أن الله زاد من أعمارنا في عمرك. قال: وكان رأسه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدي بالأرض، فلم يفعل، فلحظه وقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع خده بالأرض، فقال: الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر، ثم دعا عبد الله بن عباس وكان يحبه ويدنيه ويسمع منه، فقال له: يا ابن عباس، إني لأظن أن لي ذنبا، ولكن أحب أن تعلم لي أعن ملأ منهم ورضي كان هذا؟ فخرج ابن عباس، فجعل لا يرى ملأ من الناس إلا وهم يبكون، كأنما فقدوا اليوم أنصارهم، فرجع إليه فأخبره بما رأى. قال: فمن قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة. قال عبد الله: فرأيت البشر في وجهه، فقال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة. ثم قال: يا عبد الله، ألا لو أن لي ما طلعت عليه الشمس وما غربت لافتديت به من هول المطلع، وما ذاك والحمد لله أن أكون رأيت إلا خيرا، فقال له ابن عباس: فإن يك ذاك يا أمير المؤمنين، فجزاك الله عنا خيرا، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمون محبسون بمكة؟ فلما أسلمت كان إسلامك عزا أعز الله به الإسلام، وظهر النبي وأصحابه، ثم هاجرت إلى المدينة، فكانت هجرتك فتحا، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله من قتال المشركين، وقال فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا وكذا، ثم قبض رسول الله وهو عنك راض، ثم ارتد الناس بعد رسول الله عن الإسلام، فوازرت الخليفة على منهاج رسول الله، وضربتم من أدبر بمن أقبل، حتى دخل الناس في الإسلام طوعا وكرها، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض، ثم وليت بخير على ما يلي أحد من الناس. مصر الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله على أهل كل بيت من المسلمين توسعة في دينهم، وتوسعة في أرزاقهم، ثم ختم الله لك بالشهادة، فهنيئا لك، فصب الله الثناء عليك صبا، فقال: أتشهد لي بهذا يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟
قال نعم، فقال عمر: اللهم لك الحمد.