ولا يشير بطرفه إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عددا، وأقرب ناصرا وأجدر إلى أن قال لهم: أتفقدون من حقوقكم شيئا؟ فما لي لا أفعل في الفضل ما أريد، فلم كنت إماما إذا؟ أما والله ما عاب على من عاب منكم أمرا أجهله، ولا أتيت الذي أتيت إلا وأنا أعرفه.
قال: وقدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك من الشام، فأتى مجلسا فيه علي ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، فقال لهم: يا معشر الصحابة، أوصيكم بشيخي هذا خيرا، فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلا ورجالا، ثم أقبل على عمار بن ياسر فقال:
يا عمار، إن بالشام مئة ألف فارس، كل يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليا ولا قرابته، ولا عمارا ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتقون سعدا ولا دعوته، فإياك يا عمار أن تقعد غدا في فتنة تنجلي، فيقال: هذا قاتل عثمان، وهذا قاتل علي. ثم أقبل على ابن عباس فقال:
يا ابن عباس، إنا كنا وإياكم في زمان لا نرجو فيه ثوابا، ولا نخاف عقابا، وكنا أكثر منكم، فوالله ما ظلمناكم ولا قهرناكم ولا أخرناكم عن مقام تقدمناه، حتى بعث الله رسوله منكم، فسبق إليه صاحبكم، فوالله ما زال يكره شركنا ويتغافل به عنا حتى ولى الأمر علينا وعليكم، ثم صار الأمر إلينا وإليكم فأخذ صاحبنا على صاحبكم لسنه، ثم غير فنطق ونطق على لسانه، فقد أوقدتم نارا لا تطفأ بالماء، فقال ابن عباس. كنا كما ذكرت حتى بعث الله رسوله منا ومنكم، ثم ولى الأمر علينا وعليكم، ثم صار الأمر إلينا وإليكم، فأخذ صاحبكم على صاحبنا لسنه، ولما هو أفضل من سنه، فوالله ما قلنا إلا ما قال غيرنا، ولا نطقنا إلا بما نطق به سوانا، فتركتم الناس جانبا، وصيرتمونا بين أن أقمنا متهمين أو نزعنا معتبين (1) وصاحبنا من قد علمتم، والله لا يهجهج مهجهج إلا ركبه (2)، ولا يرد حوضا إلا أفرطه (3).
وقد أصبحت أحب منك ما أحببت: وأكره ما كرهت، ولعلي لا ألقاك إلا في خير.