فأتولى منه ما أسخط الله فيه، فيعذبني عليه، فأفارق الرجاء، وأستشعر الأذى، ولست بفاعلة حتى يفارقها، فذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية، فلما أخبراه سر به وفرح، وحمد الله عليه، ثم قال: نستمتع الله بأمير المؤمنين، لقد وإلى علي من نعمه، وأسدى إلي من مننه، فأطول ما أقوله فيه قصير، وأعظم الوصف لها يسير. ثم أراد إخلاطي بنفسه، وإلحاقي بأهله، إتماما لنعمته، وإكمالا لإحسانه، فالله أستعين على شكره، وبه أعوذ من كيده ومكره. ثم بعثهما إليه خاطبين عليه، فلما قدما، قال لهما معاوية: قد تعلمان رضائي به وتنخلي (1) إياه، وحرصي عليه، وقد كنت أعلنتكما بالذي جعلت لها في نفسها من الشورى، فادخلا إليها، واعرضا عليها الذي رأيت لها، فدخلا عليها وأعلماها بالذي ارتضاه لها أبوها، لما رجا من ثواب الله عليه. فقالت لهما كالذي قال لها أبوها، فأعلماه بذلك، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا أمرها، فارق زوجته، وأشهدهما على طلاقها، وبعثهما خاطبين إليه أيضا، فخطبا، وأعلما معاوية بالذي كان من فراق عبد الله بن سلام امرأته، طلابا لما يرضيها، وخروجا عما يشجيها، فأظهر معاوية كراهية لفعله، وقال:
ما أستحسن له طلاق امرأته، ولا أحببته، ولو صبر ولم يعجل لكان أمره إلى مصيره، فإن كون ما هو كائن لا بد منه، ولا محيص عنه، ولا خيرة فيه للعباد، والأقدار غالبة، وما سبق في علم الله لا بد جار فيه، فانصرفا في عافية، ثم تعودان إلينا فيه، وتأخذان إن شاء الله رضانا.
ثم كتب إلى يزيد ابنه يعلمه بما كان من طلاق أرينب بنت إسحاق عبد الله بن سلام، فلما عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية أمرهما بالدخول عليها، وسؤاها عن رضاها تبريا من الأمر، ونظرا في القول والعذر، فيقول: لم يكن لي أن أكرهها، وقد جعلت لها الشورى في نفسها، فدخلا عليها، وأعلماها بالذي رضيه إن رضيت هي، وبطلاق عبد الله بن سلام امرأته أرينب، طلابا لمسرتها، وذكرا من فضله، وكمال مروءته، وكريم محتده، ما القول يقصر عن ذكره. فقالت لهما: جف القلم بما هو كائن، وإنه في قريش لرفيع، غير أن الله عز وجل يتولى تدبير الأمور في خلقه، وتقسيمها بين عباده، حتى ينزلها منازلها فيهم، ويضعها على ما سبق في أقدارها. وليست تجري لأحد على ما يهوى، ولو كان لبلغ منها غاية ما شاء. وقد تعرفان أن التزويج هزله جد، وجده ندم، الندم عليه يدوم، والمعثور فيه لا يكاد يقوم،