القضاء، وليس للعباد خيرة من أمرهم، وقد وكد الناس بيعتهم في أعناقهم، وأعطوا على ذلك عهودهم ومواثيقهم، ثم سكت.
فتكلم عبد الله بن عمر، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد يا معاوية، لقد كانت قبلك خلفاء، وكان لهم بنون، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك.
فلم يحابوا في هذا الأمر أحدا، ولكن اختاروا لهذه الأمة حيث علموهم، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأفرق ملأهم. وأسفك دماءهم، ولم أكن لأفعل ذلك إن شاء الله، ولكن إن استقام الناس فسأدخل في صالح ما تدخل فيه أمة محمد. فقال معاوية: يرحمك الله ليس عندك خلاف. ثم قال معاوية لعبد الرحمن بن أبي بكر نحو ما قاله لعبد الله بن عمر. فقال له عبد الرحمن: إنك والله لوددت أنا نكلك إلى الله فيما جسرت عليه من أمر يزيد، والذي نفسي بيده لنجعلنها شورى، أو لأعيدنها جذعة، ثم قام ليخرج، فتعلق معاوية بطرف ردائه. ثم قال: على رسلك، اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال له: لا تظهرن لأهل الشام، فإني أخشى عليك منهم. ثم قال لابن الزبير، نحو ما قاله لابن عمر. ثم قال له: أنت ثعلب رواغ، كلما خرجت من جحر انجحرت في آخر، أنت ألبت هذين الرجلين، وأخرجتهما إلى ما خرجا إليه. فقال ابن الزبير. أتريد أن تبايع ليزيد؟ أرأيت إن بايعناه أيكما نطيع، أنطيعك أم نطيعه؟ إن كنت مللت الخلافة فاخرج منها وبايع ليزيد، فنحن نبايعه، فكثر كلامه وكلام ابن الزبير، حتى قال له معاوية في بعض كلامه: والله ما أراك إلا قاتلا نفسك، ولكأني بك قد تخبطت في الحبالة. ثم أمرهم بالانصراف، واحتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يخرج.
ثم خرج، فأمر المنادي أن ينادي في الناس، أن يجتمعوا لأمر جامع فاجتمع الناس في المسجد، وقعد هؤلاء حول المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه. ثم ذكر يزيد وفضله، وقراءته القرآن، ثم قال: يا أهل المدينة، لقد هممت ببيعة يزيد، وما تركت قرية ولا مدرة إلا بعثت إليها في بيعته، فبايع الناس جميعا، وسلموا، وأخرت المدينة بيعته، وقلت بيضته وأصله، ومن لا أخافهم عليه، وكان الذين أبوا البيعة منهم من كانوا أجدر أن يصله، ووالله لو علمت مكان أحد هو خير للمسلمين من يزيد لبايعت له، فقام الحسين فقال: والله لقد تركت من هو خير منه أبا وأما ونفسا، فقال معاوية: كأنك تريد نفسك؟ فقال الحسين: نعم، أصلحك الله.
فقال معاوية: إذا أخبرك، أما قولك: خير منه أما، فلعمري: أمك خير من أمه، ولو لم تكن إلا أنها امرأة من قريش لكان لنساء قريش فضلهن، فكيف وهي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم فاطمة في دينها وسابقتها، فأمك لعمر الله خير من أمه، وأما أبوك فقد حاكم أباه