ثانيها: إن الإجتناب عن السماع عن الضعيف في المذهب، كما ذكره في العقرابي، يقتضي كون السماع الكثير عن الجوهري والشيباني قبل انحرافهما واضطرابهما وتخليطهما، كما هو ظاهر كلامه فيهما أيضا. وحينئذ فلا محذور في الرواية عن الغالي إذا كان السماع حال الاستقامة. وقد صرح شيخ الطائفة (رحمه الله) في كتاب العدة بعمل الأصحاب بما رواه أبو الخطاب وأحمد بن هلال وأضرابهم من الغلاة حال استقامتهم. وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم ظهور كلامه رحمه الله في الإلتزام بعدم الرواية إلا عن الثقات. ولعل ذلك نوع ورع واحتياط منه في الحديث والرواية عنهم.
ثالثها: إن ما ذكره (رحمه الله) في الشيباني من التوقف عن الرواية عنه إلا بواسطة، لا يخلو عن خفاء، فإن الواسطة إن كان مطعونا أيضا في المذهب أو الحديث فيعود الإشكال. وإن كان ثقة في ذلك ولكن لا يبالي بمن يروي عنه، فيروى عن الضعيف أو المجهول، فتوسطه لا يفيد، سواء جزم الماتن بضعفه بعد غمز جل الأصحاب أو شك في ذلك. وإن كان ثقة في مذهبه وحديثه وطريقته في الحديث، ولا يتهم بالرواية عن الضعيف أو المجهول، فروايته أمارة على وثاقة من روى عنه. ويصير تضعيف الأصحاب وغمزهم إياه محلا للنظر، فلاحظ وتأمل. وهذا يؤكد ما أشرنا إليه من أن تركه الرواية إنما كان فيما يوجب الاتهام بالرواية عنه، كما في ابن عياش أو الشيباني الذي ضعفه شيوخ الأصحاب أو جلهم لا مطلقا، فتأمل. ثم إن التضعيف في العقرابي من جهة المذهب لا العلو كما سيأتي تحقيقه في ترجمته.
الأمر الثاني: إنه (رحمه الله) ترك الرواية عن جماعة من المشايخ والرواة، ممن سمع منه أو قرأ عليه الفقه أو الحديث أو ترك السماع أيضا، مع أن فيهم من كان في طبقة مشايخ مشايخه، ومن يكون السند بالرواية عنه عاليا، ويرجح السند العالي