وإن كان الثاني، وهو أن يكون وجوبه مطلقا غير مشروط الوجوب بذلك الغير، بل مشروط الوقوع، فذلك هو محل النزاع إن كان الشرط مقدورا للمكلف، وذلك كما لو وجبت الصلاة وتعذر وقوعها دون الطهارة، أو وجب غسل الوجه، ولم يكن إلا بغسل جزء من الرأس إلى غير ذلك.
وإن لم يكن الشرط مقدورا للمكلف، فلا إلا على رأي من يجوز تكليف ما لا يطاق. وذلك كحضور الامام الجمعة، وحصول تمام العدد فيها، فإن ذلك غير مقدور لآحاد المكلفين.
وإذا تلخص محل النزاع، فنقول: اتفق أصحابنا والمعتزلة على أن ما لا يتم الواجب إلا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب. خلافا لبعض الأصوليين.
قال أبو الحسين البصري: وإنما قلنا إن تحصيل الشرط واجب، لأنه لو لم يجب، بل كان تركه مباحا لكان الآمر كأنه قال للمأمور: لك مباح ألا تأتي بالشرط، وأوجب عليك الفعل مع عدم الاتيان بما لا يتم إلا به. وذلك تكليف بما لا يطاق، وهو محال. وهذه الطريقة في غاية الفساد وذلك لان وجوب المشروط إذا كان مطلقا، فلا يلزم من إباحة الشرط أن يكون التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط، فإن عدمه غير لازم من إباحته، بل حالة عدم وجوب الشرط.
وفرق بين الامرين. فلا يكون التكليف بالمشروط تكليفا بما لا يطاق. ثم يقال له إن كان التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط محالا فالتكليف بالمشروط مشروط بوجود الشرط، وكل ما وجوبه مشروط بشرط، فالشرط لا يكون واجب التحصيل لما سبق، ولا جواب عنه.
والأقرب في ذلك أن يقال: انعقد إجماع الأمة على إطلاق القول بوجوب تحصيل ما أوجبه الشارع. وتحصيله إنما هو بتعاطي الأمور الممكنة من الاتيان به. فإذا قيل يجب التحصيل بما لا يكون واجبا، كان متناقضا. وبالجملة فالمسألة وعرة، والطرق ضيقة، فليقنع بمثل هذا في هذا المضيق.