باب البرهان إذا كان علة للنتيجة وكان البرهان لميا، كقولنا: " كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس فكل إنسان حساس،، فهنا الاحساس وصف للحيوان بما هو حيوان، وعروضه للانسان وإن كان إسنادا حقيقيا بنظر العرف ولكنه بحسب النظرة العقلية إسناد مجازي، باعتبار كون هذا الثبوت مستندا لواسطة وهي الحيوانية.
والمثال الفقهي المرتبط بذلك باب المعقول الثاني باصطلاح الفلاسفة، بيان ذلك: أن المعقول قد يكون له ارتباط واحد، إما خارجي كارتباط البياض بالجسم وهذا معقول أولي وإما ذهني كالكلي العقلي الذي ليس له ارتباط بالخارج أصلا وهذا معقول ثانوي باصطلاح المناطقة والفلاسفة، وقد يكون له ارتباطان، ارتباط بمعروضه الذهني وارتباط بموصوفه الخارجي، فهو معقول ثانوي باصطلاح الفلاسفة، كالامكان فإن المعروض له ذهنا هو الماهية المعلولة والمتصف به خارجا هو الموجود الخارجي.
ومثاله من الاحكام الفقهية النجاسة والملكية، فإن معروضهما الذهني هو العنوان الذهني للدم والمال مثلا، بينما المتصف بهما خارجا هو عين الدم وعين المال. ومثاله أيضا وجوب الحج على المستطيع، فإن الوجوب له ارتباطان، ارتباط اعتباري بعنوان المستطيع وهو ارتباط المقيد بقيده في وعاء التقييد وارتباط خارجي بالمعنون نفسه، فالمستطيع الخارجي ليس هو المعروض للوجوب حقيقة إذ يستحيل تقيد الاعتباري بالامر الخارجي.
وإنما المعروض الحقيقي للوجوب هو المستطيع في الوعاء الاعتباري، لكن علاقة التطابق بين ما في الخارج وما في الاعتبار الذهني أوجبت اسناد الوجوب للمستطيع الخارجي على نحو العروض عليه، وهو إسناد مجازي بنظر العقل لرجوعه لواسطة التطابق وإن كان هو متصفا بالتكليف حقيقة، الا أن الاتصاف غير العروض كما هو مذكور في كتب الحكمة.