الملموسة عند العرف.
وبينهما عموم من وجه، فالجسد البشري - مثلا - بعد فقدانه للحياة يراه العرف بأنه هو الانسان وأنه مات، والموت والحياة حالات طارئة لا حقائق مختلفة، بينما الفلاسفة لا يعتبرون الجسد الميت إنسانا بل يعتبرونه جمادا والانسان غيره فيختلفان حقيقة بالموت والحياة. كما أن الحليب واللبن المصنوع منه حقيقتان عرفا وذات واحدة فلسفة، لاتحاد الصورة النوعية فيهما.
وبعد البيان المذكور نقول: بأن المعتبر في الصورة الفاصلة للحقيقة هو النظر العرفي لا النظر الفلسفي لعدة أسباب:
أولا: إن الرؤية الفلسفية لا دليل على واقعيتها وصحتها، فربما يكون المعيار الواقعي في الفصل بين الأشياء هو الفصل بالعوارض والآثار كما ورد في بعض الروايات: " وخلق خلقا مختلفا بأعراض وحدود " (1).
ولا دليل على لزوم كون الفاصل بالصور النوعية والفصول، ولعل الاتجاه الفلسفي في جعل معيار التمييز مبنيا على الصور النوعية والفصول تعبير عن عرف خاص في المجتمع اليوناني الذي نشأت فيه بذرة الفلسفة، ومن الواضح أن الأعراف والمجتمعات تختلف في معيار التمييز كما نلاحظ اختلاف المجتمعات في جعل بعض الفواكه أو الحيوانات تحت عنوان واحد أو عناوين متعددة.
فمن المحتمل جدا كون الفلسفة اليونانية في اعتمادها على الصور النوعية كمعيار للتمييز بين الحقائق تعبر عن عرف خاص ورؤية إنسانية معينة لا أن ذلك هو المعيار الواقعي المعتمد.
ثانيا: قد ذكر الفلاسفة أنفسهم أن الاطلاع على الحقائق الواقعية غير