فالبرهان إني من القسم الأول، وإن كانا متلازمين فهو إني من القسم الثاني.
إذن فالنسبة بين الواسطتين عموم من وجه، لان ثبوت المحمول للموضوع في باب القضايا إن كان بديهيا لا يحتاج لواسطة إثباتية كثبوت الحرارة للنار فهذا مورد للواسطة في الثبوت دون الواسطة في الاثبات، باعتبار حاجة كل معلول للعلة في صميم وجوده، وإن كان ثبوت المحمول للموضوع نظريا محتاجا لواسطة إثباتية مع كون تلك الواسطة هي العلة الواقعية في الثبوت فهذا مورد اجتماع الواسطتين، وإن كانت الواسطة الاثباتية معلولا للنتيجة لا علة لها فهذا مورد للواسطة في الاثبات دون الثبوت.
وأما الواسطة في العروض فالمراد بها أن تكون الواسطة متصفة بصفة معينة أولا وبالذات ويتصف بها ذو الواسطة ثانيا وبالعرض، كقولنا جرى النهر، فالواسطة في الجريان هنا هو الماء وهو المتصف بصفة الجريان أولا وبالذات وإنما يتصف بها النهر ثانيا وبالعرض، وهذا مقابل الواسطة في الثبوت فان ذا الواسطة فيها يتصف بالصفة حقيقة وبالذات لا ثانيا وبالعرض، كقولنا الماء يغلي، فإن غليان الماء بواسطة النار الا أن الماء متصف حقيقة وبالذات بالغليان لا بالعرض، فبين الواسطة العروضية والثبوتية نسبة التباين كما هو ملاحظ. وكذلك فإن النسبة بين الواسطة العروضية والواسطة الاثباتية هي نسبة التباين أيضا، ولتوضيح الفرق بين الواسطة في العروض والواسطة في الثبوت نستعرض أمورا:
الأول: إن قيام الصفة بالواسطة الثبوتية قيام صدوري وقيام الصفة بالواسطة العروضية قيام حلولي، والمراد بالقيام الصدوري الأعم من تأثير العلة الفاعلية كتأثير النار في حرارة الماء وتأثير العلة الغائية كتأثير صورة الجلوس في صنع الكرسي، ومنه تأثير ملاكات الأحكام الشرعية في جعل الحكم الشرعي، لان الملاك غاية للجعل.