ب - لما كان علم الفقه يبحث عن تحديد الحكم الشرعي فالمناسب لعلم الأصول البحث عن الطرق الموصلة لتحديد الحكم الشرعي، ولما كانت الطرق تختلف باختلاف الواقع النفسي للمكلف حين توجهه للحكم، باعتبار أن قطع المكلف بشئ يمنع من عمله بالامارة أو الأصل، كما أن الظن بالخلاف يمنع من الاخذ بالامارة والأصل على بعض المباني، وكذلك على القول بالظن الانسدادي لا مجال للعمل بغير الظن، فحينئذ يكون تصنيف علم الأصول مطابقا للحالة الوجدانية للمكلف.
ج - حيث أن الاتجاه النفسي للمكلف حين التفاته للحكم الشرعي إما القطع بالحكم أو الظن به أو الشك فيه كان المنهج في تبويب علم الأصول منظما على طبق ذلك.
وقد اعترض على المنهج المذكور باعتراضين:
الأول. إن التصنيف الناظر للحالات النفسية قد أغفل كثيرا من المباحث الحيوية ذات الربط المباشر بالجانب العملي لدى الفقيه، إذ لا مناسبة واضحة بينها وبين هذا التصنيف كبحث الحسن والقبح العقليين، وبحث الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، وبحث طرق ثبوت السنة بالتواتر والآحاد وبحث أقسام التواتر، وبحث شرائط حجية خبر الواحد من صحة المضمون عقلا وشرعا ووثاقة الرواة، وبحث مناشئ الوثاقة كقول الرجالي الذي يبحث عن حجيته وأنها هل هي من باب كونه من أهل الخبرة أو من باب شهادة العدلين أو من باب حجية خبر الثقة، وبحث تمييز المراسيل المعتمدة من غيرها، فهذه البحوث رغم كونها مهمة وعملية إلا أنها لا تنسجم مع التصنيف المذكور المرتب على حالات القطع والظن والشك، بينما نجدها منسجمة تماما مع منهج القدماء المبني على النظر للدليل الفقهي العقلي والسمعي وطرق إثبات هذا الدليل.