الموجود محفوف بضرورتين: ضرورة سابقة وضرورة لاحقة، فالضرورة السابقة عبارة عن تمامية علته وانتظارها لوجوده، وهذا ما يعبر عنه ب: إن الشئ ما لم يجب لم يوجد.
والضرورة اللاحقة عبارة عن وجود الشئ، فإن الشئ إذا وجد فوجوده طارد بالذات لعدم نفسه، بحيث يكون العدم ممتنع العروض على هذا الوجود، وهذا هو معنى الضرورة بشرط المحمول، فإن الموصوف بوصف معين كالكتابة مثلا - في قولنا الانسان كاتب - إما أن يكون واجدا لهذه الكتابة خارجا وإما أن يكون فاقدا لها، فإن كان واجدا للكتابة خارجا فثبوتها له ضروري، لان وجودها طارد بالذات لعدمها، وإن كان فاقدا لها فثبوتها ممتنع، لان المعدوم محفوف بامتناعين: امتناع سابق، وهو عدم وجود المعلول عند عدم تمامية العلة، وامتناع لاحق، وهو عدمه الطارد بالذات لوجوده. فيصح لنا أن نقول:
الانسان الكاتب خارجا كاتب بالضرورة. هذا هو تفسير صاحب الكفاية لكلام صاحب الفصول.
ولكن يرد عليه عدة وجوه:
أ - إن هذا التفسير خارج عن محل البحث، فإن محل البحث هو: هل أن أخذ مصداق الشئ في مدلول المشتق مستلزم لانقلاب الامكان إلى الضرورة أم لا، بينما التفسير المذكور ناظر لاخذ المحمول وهو الكاتب في الموضوع، إذن فهما متقابلان، لان الأول يعني أخذ الموضوع في المحمول والثاني يعني أخذ المحمول في الموضوع، فكيف يكون أحدهما تفسيرا للآخر؟!
ويؤيد ما قلنا: أن محذور انقلاب الامكان للضرورة الناتج عن أخذ المحمول في الموضوع مشترك بين القول بالتركيب والقول بالبساطة، فإننا حتى لو اخترنا القول ببساطة المشتق فلا محالة يكون ثبوت هذا المبدأ الذي هو الكتابة - مثلا - لمن كان واجدا للكتابة - خارجا - ضروريا وسلبه ممتنعا. فلا يختص