وأما المقام الثاني - وهو ما إذا كان أمر المخصص المجمل مرددا بين المتباينين - فأيضا تارة يكون المخصص المجمل المزبور متصلا، وأخرى يكون منفصلا، أما الأول فالكلام فيه بعينه هو الكلام في المخصص المتصل المجمل الذي يدور أمره بين الأقل والأكثر يعني انه يوجب اجمال العام حقيقة فلا يمكن التمسك به أصلا، ومثاله كقولنا (أكرم العلماء إلا زيدا مثلا) إذا افترضنا أن زيدا دار أمره بين زيد بن خالد وزيد بن بكر فإنه لا محالة يمنع عن ظهور العام في العموم ويوجب اجماله حقيقة نعم يفترق الكلام فيه عن الكلام في ذاك بالإضافة إلى الأصل العملي، بيان ذلك: ان العام أو الخاص إذا كان أحدهما متكفلا للحكم الالزامي والآخر متكفلا للحكم الترخيصي فالمرجع فيه أصالة الاحتياط، للعلم الاجمالي بوجوب اكرام أحدهما أو بحرمة اكرامه، ومقتضى هذا العلم الاجمالي لا محالة هو الاحتياط وأما إذا كان كلاهما متكفلا للحكم الالزامي بأن يعمل اجمالا ان أحدهما واجب الاكرام، والآخر محرم الاكرام فيما أنه لا يمكن الرجوع إلى الاحتياط ولا إلى أصالة البراءة، لعدم امكان الأول، واستلزام الثاني المخالفة القطعية العملية فالمرجع فيه لا محالة هو أصالة التخيير. فالنتيجة انهما يشتركان في الأصل اللفظي ويفترقان في الأصل العملي.
وأما الثاني - وهو ما إذا كان المخصص المجمل المذكور منفصلا - فهو وإن لم يوجب اجمال العام حقيقة حيث قد انعقد له الظهور في العموم ومن الطبيعي ان الشئ لا ينقلب عما هو عليه الا أنه يوجب اجماله حكما مثلا لو قال المولى (أكرم كل عالم) ثم قال (لا تكرم زيدا) وفرضنا أن زيدا دار أمره بين زيد بن عمرو وزيد بن خالد فهذا المخصص المنفصل كغيره وان لم يكن مانعا عن ظهور العام في العموم، لما عرفت الا انه لا يمكن التمسك بأصالة العموم في المقام، لان التمسك بها بالإضافة إلى كليهما لا يمكن