دور تلك القرينة.
وظاهر كلام صاحب الكفاية رحمه الله ان كلا الوجهين ممكن من الناحية النظرية، لان أداة العموم إذا كانت موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول، تعين الوجه الأول، لان المراد بالمدخول لا يعرف حينئذ من ناحية الأداة بل من قرينة الحكمة. وإذا كانت موضوعة لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول للانطباق عليه تعين الوجه الثاني، لان مفاد المدخول صالح ذاتا للانطباق على تمام الافراد فيتم تطبيقه عليها فعلا بتوسط الأداة مباشرة وقد استظهر - بحق - الوجه الثاني.
وقد يبرهن على ابطال الوجه الأول ببرهانين:
البرهان الأول: لزوم اللغوية منه، كما تقدم توضيحه في الحلقة السابقة. ولكن التحقيق عدم تمامية هذا البرهان لعدم لزوم لغوية وضع الأداة للعموم من قبل الواضع، ولا لغوية استعمالها في مقام التفهيم من قبل المتكلم، وذلك لان العموم والاطلاق ليس مفادهما مفهوما وتصورا شئ واحد، فان أداة العموم مفادها الاستيعاب وإراءة الافراد في مرحلة مدلول الخطاب، واما قرينة الحكمة فلا تفيد الاستيعاب، ولا ترى الافراد في مرحلة مدلول الخطاب، بل تفيد نفي الخصوصيات ولحاظ الطبيعة مجردة عنها، فالتكثر ملحوظ في العموم بينما الملحوظ في الاطلاق ذات الطبيعة، وهذا يكفي لتصحيح الوضع حتى لو لم ينته إلى نتيجة عملية بالنسبة إلى الحكم الشرعي، لان الفائدة المترقبة من الوضع انما هي إفادة المعاني المختلفة، وكذلك يكفي لتصحيح الاستعمال، إذ قد يتعلق غرض المستعمل بإفادة التكثر بنفس مدلول الخطاب.
البرهان الثاني: ان قرينة الحكمة ناظرة كما تقدم في بحث الاطلاق إلى المدلول التصديقي الجدي، فهي تعين المراد التصديقي، ولا تساهم في تكوين المدلول التصوري، وأداة العموم تدخل في تكوين المدلول التصوري للكلام، فلو قيل بأنها موضوعة لاستيعاب المراد من المدخول الذي تعينه