ومما اتفق عليه المحصلون من الأصوليين تقريبا دلالة الامر مادة وهيئة على الوجوب بحكم التبادر وبناء العرف العام على كون الطلب الصادر من المولى بلسان الامر مادة أو هيئة وجوبا، وانما اختلفوا في توجيه هذه الدلالة وتفسيرها إلى عدة أقوال:
القول الأول: ان ذلك بالوضع بمعنى ان لفظ الامر موضوع للطلب الناشئ من داع لزومي وصيغة الامر موضوعة للنسبة الارسالية الناشئة من ذلك، ودليل هذا القول هو التبادر مع إبطال سائر المناشئ الأخرى المدعاة لتفسير هذا التبادر.
القول الثاني: ما ذهب إليه المحقق النائيني رحمه الله من أن ذلك بحكم العقل، بمعنى ان الوجوب ليس مدلولا للدليل اللفظي، وانما مدلوله الطلب، وكل طلب لا يقترن بالترخيص في المخالفة يحكم العقل بلزوم امتثاله، وبهذا اللحاظ يتصف بالوجوب. بينما إذا اقترن بالترخيص المذكور لم يلزم العقل بموافقته، وبهذا اللحاظ يتصف بالاستحباب.
ويرد عليه أولا: ان موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال لا يكفي فيه مجرد صدور الطلب مع عدم الاقتران بالترخيص لوضوح ان المكلف إذا اطلع بدون صدور ترخيص من قبل المولى على أن طلبه نشأ من ملاك غير لزومي ولا يؤذي المولى فواته لم يحكم العقل بلزوم الامتثال، فالوجوب العقلي فرع مرتبة معينة في ملاك الطلب، وهذه المرتبة لا كاشف عنها الا الدليل اللفظي، فلا بد من فرض اخذها في مدلول اللفظ لكي يتنقح بذلك موضوع الوجوب العقلي.
وثانيا: ان لازم القول المذكور ان يبنى على عدم الوجوب فيما إذا اقترن بالأمر عام يدل على الإباحة في عنوان يشمل بعمومه مورد الامر، وتوضيح ذلك أنه إذا بنينا على أن اللفظ بنفسه يدل على الوجوب، فالامر في الحالة التي أشرنا إليها يكون مخصصا لذلك العام الدال على الإباحة ومخرجا لمورده عن عمومه لأنه أخص منه، والدال الأخص يقدم على الدال