ذلك كله بين الإرادة التكوينية، والتشريعية.
فالانسان لا يريد أن يشرب الدواء الا إذا رأى نفسه مريضا، ولا يريد من مأموره ان يشرب الدواء الا إذا كان كذلك. ولكن إرادة شرب الدواء للمريض، أو لمن يوجهه فعلية قبل أن يتناول الطعام. ولهذا فان المريض قد يتناول الطعام لا لشئ الا حرصا منه على أن يشرب الدواء بعده وفقا لتعليمات الطبيب، وهذا يوضح ان تناول الطعام ليس قيدا للإرادة، بل هو قيد للمراد بمعنى ان الإرادة فعلية، ومتعلقة بالحصة الخاصة، وهي شرب الدواء المقيد بالطعام، ومن أجل فعليتها كانت محركة نحو ايجاد القيد نفسه. غير أن الإرادة التي ذكرنا انها مقيدة بشروط الاتصاف ليست منوطة بالوجود الخارجي لهذه الشروط، بل بوجودها التقديري اللحاظي لان الإرادة معلولة دائما لادراك المصلحة ولحاظ ما له دخل في اتصاف الفعل بها لا لواقع تلك المصلحة مباشرة. وما أكثر المصالح التي لا تؤثر في إرادة الانسان لعدم ادراكه، ولحاظه لها، فشروط الاتصاف بوجودها الخارجي دخيلة في الملاك، وبوجودها التقديري اللحاظي دخيلة في الإرادة فلا مصلحة في الدواء الا إذا كان الانسان مريضا حقا، ولا إرادة للدواء الا إذا لاحظ الانسان المرض وافترضه في نفسه، أو فيمن يتولى توجيهه.
ونفس الفارق بين شروط الاتصاف، وشروط الترتب ينعكس على المرحلة الثالثة، وهي مرحلة جعل الحكم، فقد علمنا سابقا ان جعل الحكم عبارة عن انشائه على موضوعه الموجود، فكل شروط الاتصاف تؤخذ مقدرة الوجود في موضوع الحكم وتعتبر مشروطا للوجوب المجعول، واما شروط الترتب فتكون مأخوذة قيودا للواجب.
وإذا لاحظنا المرحلة الثالثة بدقة، وميزنا بين الجعل والمجعول، كما مر بنا في الحلقة السابقة، نجد ان الجعل باعتباره امرا نفسانيا منوطا، ومرتبطا بشروط الاتصاف بوجودها التقديري اللحاظي كالإرادة تماما لا