والظهور التصوري كثيرا ما لا ينثلم حتى في حالة قيام القرينة المتصلة على الخلاف. فإذا قال المولى: (اذهب إلى البحر، وخذ العلم منه) كانت الجملة قرينة على أن المراد بالبحر معنى آخر غير معناه الحقيقي وعلى الرغم من وجود القرينة فان الظهور التصوري لكلمة البحر في معناها الحقيقي لا يزول، وانا يزول الظهور التصديقي في إرادة المتكلم لذلك المعنى الحقيقي، ومن هنا صح القول بأن الظهور التصوري للفظ في معنى الحقيقي محفوظ حتى مع القرينة المتصلة على الخلاف. وان الظهور التصديقي له في ذلك منوط بعدم القرينة المتصلة غير أنه محفوظ حتى مع ورود القرينة المنفصلة فان القرينة المنفصلة لا تحول دون تكون أصل الظهور التصديقي للكلام في إرادة المعنى الحقيقي وانما تسقطه عن الحجية، كما مر بنا في حلقة سابقة.
وعلى ضوء التمييز بين الظهور التصوري، والظهور التصديقي وبعد الفراغ عن حجية الظهور عقلائيا، وعن سقوطها مع ورود القرينة لا بد من البحث عن تحديد موضوع هذه الحجية، وكيفية تطبيقها على موضوعها وبهذا الصدد نواجه عدة محتملات بدوا:
المحتمل الأول: أن يكون موضوع الحجية هو الظهور التصوري مع عدم العلم بالقرينة على الخلاف متصلة، أو منفصلة.
المحتمل الثاني: أن يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي مع عدم صدور القرينة المنفصلة.
المحتمل الثالث: أن يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقي الذي لا يعلم بوجود قرينة منفصلة على خلافه. والفارق بين هذا وسابقه ان عدم القرينة واقعا دخيل في موضوع الحجية على الاحتمال الثاني، وليس دخيلا على الاحتمال الثالث بل يكفي عدم العلم بالقرينة.
وتختلف هذه الاحتمالات في كيفية تطبيق الحجية على موضوعها،