وقد يبرهن على هذه القاعدة عن طريق اثبات استحالة اختصاص الحكم بالعالم، لأنه يعني ان العلم بالحكم قد أخذ في موضوعه، وينتج عن ذلك تأخر الحكم رتبة عن العلم به، وتوقفه عليه وفقا لطبيعة العلاقة بين الحكم وموضوعه. ولكن قد مر بنا في الحلقة السابقة ان المستحيل هو اخذ العلم بالحكم المجعول في موضوعه لا اخذ العلم بالجعل، في موضوع الحكم المجعول فيه.
ويترتب على ما ذكرناه من الشمول ان الامارات والأصول التي يرجع إليها المكلف الجاهل في الشبهة الحكمية أو الموضوعية قد تصيب الواقع، وقد تخطئ. فللشارع إذن احكام واقعية محفوظة في حق الجميع، والأدلة والأصول في معرض الإصابة والخطأ، غير أن خطأها مغتفر لان الشارع جعلها حجة، وهذا معنى القول بالتخطئة.
وفي مقابلة ما يسمى بالقول بالتصويب، وهو ان احكام الله تعالى ما يؤدي إليه الدليل والأصل، ومعنى ذلك أنه ليس له من حيث الأساس احكام، وانما يحكم تبعا للدليل أو الأصل، فلا يمكن ان يتخلف الحكم الواقعي عنها.
وهناك صورة مخففة للتصويب مؤداها ان الله تعالى له احكام واقعية ثابتة من حيث الأساس، ولكنها مقيدة بعدم قيام الحجة من امارة أو أصل على خلافها فان قامت الحجة على خلافها تبدلت واستقر ما قامت عليه الحجة.
وكلا هذين النحوين من التصويب باطل:
اما الأول فلشناعته ووضوح بطلانه، حيث إن الأدلة والحجج، انما جاءت لتخبرنا عن حكم الله وتحدد موقفنا تجاهه، فكيف نفترض انه لا حكم لله من حيث الأساس.
واما الثاني فلانه مخالف لظواهر الأدلة ولما دل على اشتراك الجاهل والعالم في الأحكام الواقعية.