معنى واحد. وهو التجري - بالمعنى الجامع بين المعصية الواقعية، والتجري الاصطلاحي - هو موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب، ولولاه لما حكم العقل به، ولا توجه اللوم والذم من العقلاء على مرتكب المعصية، إذا هي مع التجرد عن هذا العنوان لا يترتب عليها شيء سوى الآثار الذاتية، وتكون كالفعل المبغوض الواقع عن جهل واضطرار، فالموجب لجواز العقاب ليس إلا الإقدام على ما نهي عنه، لا وقوع المنهي عنه، فالتجري اصطلاحا وإن لم يكن عنوانا قابلا لأن يتعلق به النهي الشرعي، ويعد فاعله مرتكبا للحرام، ولكنه مشترك مع المعصية الواقعية في المناط الذي يحكم لأجله باستحقاق العقاب، وهو القبح الفاعلي - على ما يعبر عنه - وهذا عنوان لا ينفك عن التجري أصلا.
ومنه يظهر ضعف ما ذكره بعض الأعلام (1) - دام فضله - «من أن الذي أوقع المدعي لقبح الفعل في الشبهة، كون الفعل المذكور في بعض الأحيان متحدا مع بعض العناوين القبيحة كهتك احترام المولى، والاستخفاف بأمره، وأمثال ذلك مما لا شبهة في قبحه، وأنت خبير بأن اتحاد الفعل المتجري به مع تلك العناوين ليس دائما، لأنا نفرض الكلام فيمن أقدم على مقطوع الحرمة، لا مستخفا بأمر المولى، ولا جاحدا لمولويته، بل غلبت عليه شقوته، كإقدام فساق المسلمين على المعصية، ولا إشكال في أن نفس الفعل المتجرى به مع عدم اتحاده مع تلك العناوين لا قبح فيه أصلا» (2). انتهى بلفظه.
وقد علمت أن هذه العناوين مما لا ينفك عن التجري وعن المعصية الواقعية، وأنها هي المناط في استحقاق العاصي للعقاب كما أن العناوين المقابلة لها من احترام أمر المولى والانقياد له - بمعناه اللغوي - ونحوهما مما لا ينفك