كالاستيذان في العورات الثلاث (1)، على ما ذهب غير واحد إلى وجوبه عليه، وكالواجبات العقلية ومحرماتها من المعرفة وقتل النفس وغيرهما، ولا شك أنه مع الشك في شيء من ذلك لا بد له من إجراء أحد الأصول العملية، أو متابعة القطع أو الظن المعتبر إذا حصل أحدهما له من غير فرق بينه وبين البالغ أصلا، فالأولى أن يكون المقسم من كان معرضا للتكليف.
ثم المراد من المكلف ليس خصوص المجتهد كما توهم (2)، نظرا إلى توقف كثير من الأحكام الآتية على معرفة الأدلة التي لاحظ للمقلد منها، وعلى الفحص الذي تقصر يده عنه.
ويدفعه: أن حجية الخبر - مثلا - لا معنى لها إلا إتيان ما دل على وجوبه أو ترك ما دل على حرمته، وكذلك الاستصحاب، لا معنى لحجيته إلا الجري على طبق الحالة السابقة، ويتمكن منهما المقلد تمكن المجتهد، ولا فرق إلا عدم تمكن المقلد من الاستظهار منه بنفسه، وعدم قدرته على مباشرة الفحص عن الدليل الرافع للشك، فيقوم استظهار المجتهد مقام استظهاره، وفحصه مقام فحصه، وبعد ذلك يكون كل منهما عاملا بهذا الأحكام، عملهما بالأحكام الأولية.
ونظير ذلك ما لو قال الملك للرعية: اعملوا بقول الوزير، واعتمدوا عليه في أحكامي، وكان فيهم من لا يعرف لغة الوزير، فإذا ترجم العارف بلغته كلامه للجاهلين بها، فقد تساوى الجميع في معرفة قوله.
وإذا أمر بالفحص عن متاع في السوق، فإن للفحص طريقين: المباشرة بالنفس وإرسال الثقة لذلك، فإذا أخبر بعدم وجوده، كان المرسل متفحصا حقيقة، وكذلك المقلد مع المجتهد، يكون بمعرفته بالدليل عارفا وبفحصه متفحصا.