لوضوح عدم خروجها باعتبار القرينة عن مقدوريتها للمتكلم، بل المراد به الامتناع العرضي لقبح تلك الإرادة، لكونها مؤدية إلى عنوان قبيح من العناوين القبيحة المتعذر صدورها من الحكيم من كذب، كما في ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ (١) و " أيادي فلان عندي كثيرة " و " سال الوادي " و " رأيت أسدا يرمي " وغير ذلك مما أخذ في الأخبار، أو طلب لغو كما في قوله: ﴿واسئل القرية﴾ (٢) نظرا إلى أنه كما يقبح ارتكاب اللغو على الحكيم كذلك يقبح عليه طلبه، أو طلب محال كما في قوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ (3) حيث إنه تعالى حرم إعطاء اليتامى حال اليتم أموالهم، فلو كان مراده في الآية حقيقة اليتيم لزم الأمر بالحرام وهو قبيح.
وكذلك في قولنا: " ائتني بأسد يرمي " حيث إن الإتيان بالمفترس الرامي محال، فامتناع إرادة الحقيقة المأخوذة في المجاز البياني إنما هو باعتبار قبح تلك الإرادة، وهو المراد من تعذر الحقيقة في لسان الأصوليين، بخلاف الكناية فإرادة ما وضع له في " طويل النجاد " و " كثير الرماد " و " أبيض اللحية " مثلا مع إرادة لوازمه في هذه الأمثلة من طول القامة والجود والشيخوخة لا يؤدي إلى قبح فلا يمتنع، وظاهر أن الجواز العقلي بالمعنى المذكور لا يلازم الجواز اللغوي المرادف للصحة المقابلة للغلط، فعلماء البيان في تصريحهم بالجواز العقلي لم ينصوا بالجواز اللغوي، ليكون كاشفا عن تجويز الواضع وإذنه، ولم يثبت في استعمالات العرب مورد من الكنايات إنهم أرادوا المعنى الحقيقي مع المعنى الكنائي.
وبالتأمل فيما قررناه ينقدح الجواب عن حجة المجوزين، وهو: أنه ليس بين إرادة الحقيقة وإرادة المجاز منافاة، وإذا لم يكن ثمة منافاة لم يمتنع اجتماع الإرادتين عند المتكلم، فإن عدم منافاة الإرادتين وعدم امتناع اجتماعهما عند المتكلم لعدم خروجهما عن مقدوريته وإن كان مما لا يمكن الاسترابة فيه، إلا أنه